الحجة التاسعة : إن العلم بوجود الشيء ، لو اقتضى وجوب وجوده لأغنى العلم عن القدرة ، والإرادة ، فوجب أن لا يكون الله قادرا مريدا مختارا. وقد ذكرنا : أن الكلام في الحكمة والسفه فرع على الكلام في إثبات القادر المختار.
فهذه جملة الوجوه العقلية التي يمكن ذكرها في بيان أن العلم والخبر لا يمنعان من الفعل.
المقام الثاني : الجواب التفصيلي عن ذلك الكلام :
ومجموع ما ذكره الناس ثلاثة أوجه :
الأول : وهو طريقة أبي علي وأبي هاشم واختيار القاضي عبد الجبار بن أحمد ، وهو أنه إذا قيل لهم : لو وقع خلاف معلوم الله ، لزم أن ينقلب علم الله جهلا. فقالوا : خطأ قول من يقول : إنه ينقلب علمه جهلا ، وخطأ قول من يقول : إنه لا ينقلب ، ولكن يجب الإمساك عن القولين.
الوجه الثاني في الجواب : طريقة الكعبي ، واختيار أبي الحسين البصري وهو أن العلم يتبع المعلوم. فإذا فرضنا أن الواقع من العبد هو الإيمان ، لزم أن يكون الحاصل في الأزل هو العلم بوجود الإيمان. وإذا فرضنا أن الواقع من العبد هو الكفر بدلا عن الإيمان ، لزم أن يكون الحاصل في الأزل هو العلم بوجود الكفر بدلا عن العلم بوجود الإيمان. فهذا فرض علم بدلا عن علم آخر ، لا أنه يتغير (١) علم الله.
وهذان الجوابان هما اللذان عليهما اعتماد جمهور المعتزلة.
والوجه الثالث من الجواب : وهو طريقة هشام بن الحكم ، وهو أنه تعالى كان في الأزل عالما بحقائق الأشياء وبماهيتها ، وكان عالما بأنه تعالى يحدثها مرارا كثيرة ، وأما العلم بتلك التفاصيل وبتلك الأحوال ، فما كان حاصلا في الأزل
__________________
(١) يتعين (م).