والكلام في هذا الباب على مقامين :
المقام الأول : قالوا : الدلائل السمعية والعقلية مطابقة على أن العلم بعدم الإيمان والإخبار عن عدم الإيمان لا يوجب كون الإيمان ممتنع الوجود.
أما الدلائل السمعية فمن وجوه :
الحجة الأولى : إن القرآن مملوء من الآيات الدالة على أنه لا مانع (لأحد) (١) من الإيمان. قال تعالى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا : إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) (٢)؟ وهو إنكار بلفظ الاستفهام. ومعلوم أن رجلا لو حبس رجلا آخر في بيت بحيث لا يمكنه الخروج عنه ، ثم يقول له : ما يمنعك من التصرف في حوائجي؟ كان ذلك قبيحا ، وكذا قوله تعالى : (وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا) (٣) بِاللهِ؟ وقوله (لإبليس) : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ)؟ (٤) وقوله (عن قول) (٥) موسى عليهالسلام لأخيه : (ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا)؟ (٦) وقوله (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)؟ (٧) (٨) (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) (٩)؟ (عَفَا اللهُ عَنْكَ. لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (١٠)؟ (لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ)؟ (١١) قال «الصاحب بن عبّاد» في فصل له في هذا الباب : كيف يأمر بالإيمان وقد منعه عنه ، وينهاه عن الكفر وقد جبله عليه؟ وكيف يصرفه عن الإيمان ثم يقول : (أَنَّى يُصْرَفُونَ)؟ (١٢) ويخلق فيهم الإفك ، ثم يقول : (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)؟ (١٣) وأنشأ فيهم الكفر ، ثم يقول (لِمَ تَكْفُرُونَ)؟ (١٤) وخلق
__________________
(١) من (س).
(٢) الإسراء (٩٤).
(٣) النساء (٣٩).
(٤) ص ٧٥.
(٥) زيادة.
(٦) طه (٩٢).
(٧) الانشقاق (٢٠).
(٨) من (م).
(٩) المدثر (٤٩).
(١٠) التوبة (٤٣).
(١١) التحريم (١).
(١٢) غافر (٦٩) واعلم أن هذا الكلام في الجزء التاسع.
(١٣) يونس (٣٤).
(١٤) آل عمران (٩٨).