كذبا فثبت أن العلم بالقبح يوجب الصرف عن فعل القبيح ، ولما حصل هذا العلم في حق الله تعالى ، وجب أن يؤثر في صرفه عن القبيح.
والوجه الثاني : هو أن نترك هذا القياس ، وندعي العلم الضروري بأن العلم بكون الفعل قبيحا يوجب الانصراف عنه ، اللهم إلا إذا صار هذا الصارف معارضا بداعية الشهوة والحاجة. لكنا بينا أن هذه الداعية في حق الله تعالى ممتنعة ، فكان علمه تعالى بقبح الفعل صارفا له عن هذا الفعل ، ولم يوجد في حقه ما يعارضه ، وهو داعية الشهوة ، فوجب أن يمتنع الله من فعل القبيح ، فهذا تقرير دليل المعتزلة.
وللاعتراض عليه. نقول (١) : أتدعون أن عند حصول العلم بكون الفعل قبيحا ، يمتنع صدور الفعل عنه أو لا تدعون الامتناع؟ فإذا ادعيتم الامتناع لزمكم كونه تعالى موجبا بالذات ، لا فاعلا بالاختيار ، لأن ذاته موجبة لذلك العلم. وذلك العلم موجب ، فوجب الامتناع من ذلك الفعل ، وموجب الموجب موجب ، فكانت ذاته موجبة للامتناع من ذلك الفعل ، فيكون موجبا بالذات ، لا فاعلا بالاختيار. وأما إن قلتم : إن عند حصول هذا الصارف (لا يجب هذا الامتناع ، كان معناه أن مع حصول هذا الصارف) (٢) يجوز الفعل، ومع هذا التجويز كيف يمكنكم الجزم بأنه لا يقع؟ وبأنه بتقدير الوقوع يفضي إلى المحال. وأيضا : عند العلم بأن ترك الثواب وترك العوض قبيح ، وجب ترك ذلك ، فيلزم أن يكون فعله واجبا عقلا ، فيعود ما ذكرنا إلى أنه يكون موجبا بالذات ، لا فاعلا بالاختيار. وقد ذكرنا مع الفلاسفة أن مع القول بكون الإله تعالى موجبا بالذات ، فإن هذا البحث ساقط بالكلية.
ثم نقول : إن دل هذا الدليل على أنه تعالى لا يفعل القبيح ولا يريده ولا
__________________
(١) والاعتراض عليه من وجوه الأول [الأصل].
(٢) من (س).