والتحقيق في شرح محل الخلاف ما ذكرنا.
قلنا : هاهنا مقامان : الأول : إثبات العلم والقدرة ، بمعنى تلك النسب المخصوصة أمور زائدة على الذات. والمقام الثاني : بيان أن تلك الصفات المسماة بالعلم والقدرة. هل هي واجبة الوجود بأنفسها ، أو الموجب لها هو ذات الله تعالى ، أو يقال : ذات الله يوجب معنى ، وذلك المعنى يوجب هذه النسب والإضافات؟ فهذا تمام الكلام في هذا البحث.
أما المقام الأول : فهو في بيان أن القدرة والعلم بالتفسير الذي ذكرناه يمتنع أن يكون عين الذات ، بل هما صفتان قائمتان بالذات ، والذي يدل على صحة ما ذكرناه وجوه :
الحجة الأولى : إن قولنا : عالم يناقضه قولنا : ليس بعالم ، (ولا يناقضه قولنا ليس بموجود ، وقولنا : موجود يناقضه قولنا : ليس بموجود ، ولا يناقضه قولنا : ليس بعالم) (١) ولو كان كونه موجودا هو عين كونه عالما ، لامتنع حصول هذا التغاير ، لأن الشيء الواحد يمتنع أن يصدق عليه كونه نقيضا له ، وكونه ليس نقيضا له.
الحجة الثانية : إذا دل الدليل على أن العالم لا بد له من مؤثر قديم أزلي واجب الوجود لذاته ، فعند هذا يبقى العقل متوقفا في أن ذلك المؤثر عالم ، أو ليس بعالم. وقادر ، أو ليس بقادر ، ويفتقر في إثبات كونه تعالى عالما قادرا إلى دليل منفصل ، ولو كان كونه عالما قادرا نفس كونه موجودا قديما واجبا. لما كان الأمر كذلك ، لأن الشيء الواحد يمتنع أن يصدق عليه كونه معلوما ، وكونه لا معلوما. لأن الجمع بين النقيضين محال.
الحجة الثالثة : إذا قلنا : إن ذات الله الموجودة موجودة. خرجت القضية
__________________
ـ المطاعن وكتاب تثبيت دلائل النبوة. والمؤلف نقل عنهم إثبات الصفات ، وكلامهم فيها ، ولكن المعتزلة ينكرون صفات الجسمية لله عزوجل ، وينكرون أن يكون الله جسما ، وله يد ورجل وعين وأذن جارحة. فمن قال من العلماء : إن المعتزلة ينكرون الصفات ، فهو يعني أنهم ينكرون صفات الأعضاء ، لا صفات المعاني والأفعال.
(١) من (س).