ليست من باب الانكشاف والتجلي. وأما الرؤية فإنها من باب الانكشاف والتجلي فوجب أن تكون الرؤية حالة مغايرة لهذا الانطباع والتأثر.
والثالث : إنه لو كانت الحالة المسماة بالإبصار والرؤية عبارة عن هذا التأثر ، لوجب أن يقال : كلما كان التأثر أكمل ، وجب أن يكون حصول الإبصار أكمل وليس الأمر كذلك. لأنا إذا نظرنا إلى قرص الشمس فإنه يقوي ذلك التأثر ويكمل ، لا لأن الحالة المسماة بالإبصار والرؤية تضعف فعلمنا أن هذا التأثر والانطباع حالة مغايرة للإبصار والإدراك. فهذا هو الكلام في تحقيق معنى الإبصار.
وأما السماع فنقول : إنا قبل سماع للصوت قد نعلم حقيقة الصوت وماهيته. فإذا سمعنا بالأذن ، علمنا حصول تفرقة بديهية بين الحالتين ، أعني حالة العلم وحالة السماع. وهذه التفرقة (معلومة بالبديهية.
ثم من الناس من قال ، تلك التفرقة) (١) عائدة إلى أن الصوت إنما يحدث عند تموج الهواء. فإذا تأدى ذلك التموج إلى سطح الصماخ قرع ذلك السطح فذلك القرع ـ وهو الحركة العنيفة ـ هو الذي لأجله حصل التفاوت بين الحالتين. والدليل على حصول هذا التأثر : إنه إذا قوي الصوت ظهر الأثر الشديد في الأذن ، حتى أنه ربما تمزق سطح الصماخ عند قوته. وعند سماع أصوات البوقان ، يحس الإنسان كأن دماغه يظهر فيه شيء من التمزق والتفرق ، فيثبت أن عند حصول السماع يحصل هذا الانطباع والانفعال. وعند هذا قال بعضهم : التفاوت الحاصل (بين الحالتين) (٢) عائد إليه.
ومن الناس من قال : هذا التفاوت مسلم لا نزاع فيه ، إلا أنا ندعي حصول التفاوت بين هذين النوعين من الإدراك ، أعني النوع المسمى بالعلم ، والنوع المسمى بالسماع. والدليل عليه : أن السماع أمر مغاير لهذا النوع ، ويدل عليه وجوه :
__________________
(١) من (س).
(٢) من (م).