يلزم من حصول (مراتب لا نهاية لها في هذه العلوم حصول) (١) علل ومعلولات لا نهاية لها دفعة؟ فنقول : الجواب عنه من وجهين : الأول : إن الذات الموصوفة موجبة للعلم وكل مرتبة من تلك المراتب فإنها شرط لتأثير الذات المخصوصة في المرتبة الثانية ، وشرط العلة يجري مجرى نفس العلة وحينئذ يعود السؤال المذكور. والثاني : وهو أن كل مرتبة متقدمة من هذه العلوم فإنها مستلزمة للمرتبة المتأخرة. فالدليل الدال على بطلان علل ومعلولات لا نهاية لها يكون بعينه قائما في هذه الصورة. والله أعلم (٢).
الحجة الثانية : إن ما لا نهاية له يمتنع كونه ممتازا عن الغير ، وكل معلوم فإنه يجب كونه ممتازا عن الغير ، ينتج أن ما لا نهاية له يمتنع كونه معلوما ، أما الصغرى فظاهرة لأن الامتياز عن الغير إنما يعقل فيما إذا كان كل واحد من المتميزين منفصلا عن الآخر وخارجا عنه ، والذي خرج عنه غيره وانفصل عنه غيره ، يكون محدودا متناهيا ، فالقول بأنه غير متناهي محال ، وأما الكبرى فظاهرة ، وذلك لأن المعلوم إنما يكون معلوما إذا كان بحيث يميزه العقل عما ليس هو ، إذ لو لم يكن كذلك لامتنع كونه معلوما ، فيثبت بما ذكرنا : أن ما لا نهاية له يمتنع كونه متميزا عن غيره ، وثبت أن كل ما كان معلوما ، فإنه يجب كونه متميزا عن غيره ، ينتج أن لا ما لا نهاية له ، يمتنع كونه معلوما.
الحجة الثالثة : لو كان عالما بما لا نهاية له ، لحصل في ذاته صفات لا نهاية لها. وهذا محال. فذاك محال. بيان الملازمة من وجهين :
الأول : إنا قد بينا أن العلم عبارة عن النسبة الحاصلة ، وعن الإضافة الخاصة ، فلو كانت المعلومات غير متناهية لحصلت في ذاته نسب موجودة غير متناهية. وليس لقائل أن يقول : هذه النسب والإضافات لا وجود لها في الأعيان ، لأن العلم لما كان عبارة عن هذه النسب وهذه الإضافات لزم من نفيها في الأعيان ، نفي كونه تعالى عالما. وذلك باطل. فيثبت أنه تعالى لو كان
__________________
(١) من (م).
(٢) من (م).