وقال ابن عبدالبرّ ـ في فتح المالك بتبو يب التمهيد على موطّأ مالك ـ وهو يريد أن يصحّح اختلاف أحاديث الأذان بقوله : (روى عن النبيّ في قصَّة عبدالله بن زيد هذه في بدء الأذان جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة ومعان متقاربة ، وكلّها تتّفق على أنَّ عبدالله بن زيد أُري النداء في النوم ، وأنَّ رسول الله أمر به عند ذلك ، وكان ذلك أوّل أمر الأذان ...) (١).
فهذا النصّ وما سبقه يتضح منهما أن غالب أهل السنّة والجماعة يقولون بعدم توقيفـيّة الأذان بالنحو الذي تقوله الشـيعة ، إذ العامة يسـتدلون على شـرعيّـة الأذان بمـنام عبد الله بن زيد حتّى أنّ بعض أمـراء الجـور أفرد الإقامـة لحاجـة لـه.
والعجب في هذا الباب ما قاله ابن عبد البرّ في موضع آخر من الكتاب المذكور : «في حديث هذا الباب لمالك وغيره من سائر ما أوردنا فيه من الآثار أوضح الدلائل على فضل الرؤيا وأنّها من الوحي والنبوّة ، وحسبك بذلك فضلاً لها وشرفاً ، ولو لم تكن وحياً من الله ما جعلها شر يعة ومنهاجاً لدينه» (٢).
قال أبو عمر (٣) : «اختلفت الآثار في صفة الأذان وإن كانت متّفقة في أصل أمره ، كان من رؤيا عبدالله بن زيد ، وقد رآه عمر بن الخطّاب أيضاً (٤)!!!»
أفلا يدل قوله هذا على أنّ لعبدالله بن زيد وعمر بعض النبوّة؟!!
كانت هذه صورة مصغّرة عن اختلاف الآراء في مدرسة الخلفاء حول بدء تشريع الأذان ، وكيف اتفقت مدرسة أهل البيت ومعها الصحابة المتعبدون على أنّه كان في الإسراء بتعليم من الله العليّ العظيم.
__________________
(١) فتح المالك ٢ : ٣.
(٢) فتح المالك ٢ : ٧.
(٢) هو ابن عبد البرّ.
(٣) التمهيد لابن عبدالبر ٢٤ : ٢٧.