وإنّما ينفعكم ثبوت كونه فعلا لله تعالى مع خرق العادة ، إذا أمكنكم أن تدلّوا على اختصاص من ظهر على يديه ، وأنّه إنّما فعل تصديقا له. ومع السّؤال الّذي أوردناه لا يمكن ذلك.
وليس لأحد أن يقول : إنّ معنى هذا السّؤال يرجع إلى معنى السّؤال المتقدّم ؛ لأنّهما وإن كانا معا طاعنين في الطّريقة ، فبينهما مزيّة ظاهرة ؛ لأنّ سؤال من اعترض بالجنّ يقدح في كون القرآن من فعل الله عزوجل ، وفي اختصاصه أيضا به لمن ظهر على يده.
والسّؤال الثّاني يتضمّن القدح في الاختصاص حسب ، مع تسليم كونه من فعله تعالى. ولسنا نعرف للقوم جوابا مستمرّا عن هذا السّؤال (١).
وقد كنّا أخرجنا جوابا عنه يستمرّ على أصولهم ، نحن نذكره بعد أن ننبّه على فساد ما تعلّقوا به في دفعه ، ثمّ نتلوه بذكر الجواب الّذي يختصّ به أصحاب الصّرفة لينكشف لزوم السّؤال لهم دوننا ، حسب ما استعملناه في السؤال المتقدّم. ونحن ذاكرون ما تعلّقوا به.
ربّما قالوا : إنّ القديم تعالى قد منع من ذلك ، من حيث يؤدّي إلى الاستفساد ، وأجروه مجرى أن يعلم الله تعالى أنّ بعض المموّهين (٢) ينقل القرآن إلى بلد شاسع ، لم يتّصل بأهله خبر النّبيّ صلىاللهعليهوآله ومعجزاته ، فيدّعي به الإعجاز. وادّعوا في الأمرين أنّ الواجب على الله تعالى المنع منهما.
__________________
بشر وجنّي وملك وكلّ قادر من المحدثين ، وسلّم أيضا أنّه من فعله تعالى على غاية اقتراحهم ، ما المنكر من أن يكون أنزل هذا الكتاب على نبيّ من الأنبياء ، غير من ظهر من جهة تغلّبه عليه ، وقتله الظاهر من جهته ، وادّعى الإعجاز به؟».
(١) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٩٤ : «ولسنا نعرف للقوم جوابا سديدا عن هذا السؤال ...».
(٢) أي المشعبذين.