والإعجاز بإحياء الميّت إلّا بعد أن نعلم أنّه لم يقع في أمره حيلة منه ولا من غيره من البشر ، فكذلك لا نصدّقه حتّى نعلم أنّ الحيلة ـ فيما جاء به ـ لم يقع (١) من بشر ، ولا ملك ، ولا جنّيّ. وطريق الاعتبار واحد على ما ذكرناه. فلمّا سمع ما أوردته ، أمسك مفكّرا فيه ، ومتدبّرا له (٢).
سؤال عليهم آخر :
وقد سأل المخالفون أيضا ، فقالوا :
لو سلّم لكم جميع ما تدّعونه في القرآن من تعذّر معارضته على البشر ، فإنّ التعذّر إنّما كان لخروجه عن عادتهم ، وأنّ حكم الملائكة والجنّ وكلّ قادر من المحدثين في تعذّر المعارضة حكم البشر.
وسلّم أيضا أنّ القرآن من فعل القديم تعالى ـ وذلك نهاية أمركم ـ لم يصحّ الإعجاز الّذي تريدونه ؛ لأنّه ليس بمنكر أن يكون الله تعالى أنزله (٣) على نبيّ من أنبيائه ، فظفر به من ظهر من جهته ، فغلبه عليه وقتله من حيث لم يعلم حاله ، وادّعى الإعجاز به؟! (٤)
__________________
(١) في الأصل : لم يقطع ، وما أثبتناه مناسب للسياق.
(٢) قال المصنّف رحمهالله في الذخيرة / ٣٩٢ : «ويلحق هذا الوجه بالأوّل في مساواة الجنّ والبشر في الاعتبار عليهم والامتحان. ولهذا نجد كثيرا من المشعبذين وأصحاب الحقّة يسترون جسما ويظهرون آخر ، ويبدلون ميّتا بحيّ وصغيرا بكبير ، وإذا اعتبر عليهم المحصّلون ، ظهروا على مظانّ حيلهم ووجوهها. ولا بدّ في مدّعي النبوّة من أن يؤمن فيه ما جوّزناه في المشعبذ ، وليس يحصل الأمر إلّا بصادق البحث ، وقويّ الامتحان».
(٣) في الأصل : أنزل ، والمناسب ما أثبتناه.
(٤) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٩٣ : «إذا سلّم لكم تعذّر معارضة القرآن على كلّ