الفصحاء ـ من
الإقدام على دعواه.
وإذا جاز أن يعارض
النضر بن الحارث بما ليس بمعارضة للقرآن عند أحد من العقلاء ـ فصيحا كان أو
أعجميّا ـ من حيث لم يطابق ما أتى به من معنى التحدّي المعلوم ضرورة ، جاز أيضا أن
يعارض غيره من القوم ببعض الشّعر الفصيح أو الكلام البليغ ، ويدّعي فيه المماثلة
في الوجه المقصود بالتحدّي ، ويكون هذا المعارض أعذر عند النّاس من النضر بن
الحارث ، وأمره أقرب إلى اللّبس والاشتباه ؛ لأنّ بهته وكذبه لا يظهر إلّا لأهل
الطّبقة العليا في الفصاحة أو لجماعتهم ، حسب ما يقترحه خصومنا.
والنّصر بن الحارث
كذبه ظاهر لكلّ من عرف الغرض بالتحدّي بالقرآن ، وهم العرب والعجم جميعا. وهذا
يؤكّد القول بالصّرفة ويوضحه.
فإن قال : كيف لم
يصرف النّضر بن الحارث عمّا ادّعاه من المعارضة ، وصرف غيره من الفصحاء؟
قيل له : هذا ممّا
قد تقدّم الجواب عنه ، عند الاعتراض بمسيلمة.
وإنّما صرف عندنا
عن المعارضة من يحصل بمعارضته بعض الشّبهة. ولهذا لم يمكّن أحد من الفصحاء من
معارضته ، ممّا له مع طريقته في النّظم أدنى فصاحة ، من حيث جاز أن يقع عند ذلك
الشّبهة لمن لا قوّة له في العلم بالفصاحة.
فأمّا من لا شبهة
على أحد بمعارضته ولا شكّ لعاقل في أمره ، فليس في صرفه فائدة ، بل تمكينه من فعله
برهان على أنّ غيره مصروف عن المعارضة ، إذ لو كانت حاله في التخلية كحالة لساواه
في الإتيان بالمعارضة.
وقد قلنا في الردّ
على من ذهب في إعجاز القرآن إلى خرق العادة بفصاحته ، ونسب تعذّر المعارضة إلى أنّ
الله تعالى لم يجر العادة بفعل العلوم الّتي يتمكّن بها من مثله ، قولا كافيا.
وأوردنا على أنفسنا من الزيادات والمسائل ما لا نشكّ في