الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل لا إله إلا هو العزيز الغفار. مستجيب الدعاء ، ومجزل العطاء محصي الانفاس ورب الجنة والناس ، لا يشكل عليه شيء ولا يضجره صراخ المستصرخين ولا يبرمه إلحاح الملحين ، العاصم للصالحين والموفّق للمفلحين ، ومولى (١) العالمين ، الذي استحق من كل خلق أن يشكره ويحمده على السراء والضراء والشدة والرخاء ، وأومن به وبملائكته وكتبه ورسله ، أسمع أمره واطيع وأبادر إلى كل ما يرضاه وأستسلم لقضائه رغبة في طاعته وخوفا من عقوبته ، لأنه الله الذي لا يؤمن مكره ولا يخاف جوره ، اقر له على نفسي بالعبودية ، وأشهد له بالربوبية ، واؤدي ما أوحي إلي حذرا من أن لا أفعل فتحل بي منه قارعة لا يدفعها عني أحد وإن عظمت حيلته. لا إله إلا هو ، لأنه قد أعلمني إن لم أبلغ ما أنزل إلي فما بلغت رسالته ، وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة ، وهو الله الكافي الكريم فاوحى لي بسم الله الرّحمن الرحيم (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).
معاشر الناس ما قصرت في تبليغ ما انزله (٢) ، وأنا مبين لكم سبب (٣) هذه الآية إن جبرائيل هبط إليّ ثلاثا (٤) يأمرني عن السلام ربي ـ وهو السلام ـ أن أقوم في هذا المشهد فأعلم كل أبيض وأسود أن علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي والإمام من بعدي ، الذي محلّه مني محل هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، وهو وليكم بعد الله ورسوله ، وقد أنزل الله تبارك وتعالى عليّ بذلك آية من كتابه : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٥) وعلي بن أبي طالب أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع يريد الله عزوجل في كل حال ، وسألت جبرائيل أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم أيها الناس لعلمي بقلّة المتقين وكثرة المنافقين وادغال الآثمين وختل المستهزئين بالاسلام الذين وصفهم الله في كتابه بانهم : (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) (٦) وكثرة أذاهم لي غير مرة (٧) حتى سموني اذنا ، وزعموا أني كذلك لكثرة ملازمته إياي واقبالي عليه ، حتى أنزل الله عزوجل في ذلك (٨) : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ) على الذين يعزمون أنه
__________________
(١) في الاحتجاج والبحار : ومولى المؤمنين ورب العالمين.
(٢) في الاحتجاج والبحار : ما أنزله الي.
(٣) في الاحتجاج والبحار : سبب النزول.
(٤) في الاحتجاج والبحار : هبط الى مرارا ثلاثا.
(٥) المائدة : ٥٥.
(٦) الفتح : ١١.
(٧) في الاحتجاج : في غير مرة.
(٨) في الاحتجاج : في ذلك قرآنا.