في محاريبهم ويرنّون
، يصطفون ليلةً مظلمة بهماء يبكون ، فلو رأيتهم يا أحنف في ليلتهم قياماً على
أطرافهم محنيةً
ظهورهم يتلون أجزاء القرآن لصلاتهم ، قد اشتدت أعوالهم ونحيبهم وزفيرهم ، اذا
زفروا خِلتَ النار قد أخذت منهم الى حلاقيمهم ، واذا أعولوا حسبت السلاسل قد صفّدت
في اعناقهم ، فلو رأنتهم في نهارهم اذن لرأيت قوماً ( يَمْشُونَ عَلَى
الْأَرْضِ هَوْنًا )
ويقولون
للناس حسناً ( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا
سَلَامًا ) ، ( وَإِذَا مَرُّوا
بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا )
قد قيدوا
أقدامهم من التهمات ، وابكموا السنتهم أن يتكلموا في أعراض الناس ، وسجّموا
أسماعهم أن يلجها خوض خائض ، وكحلوا أبصارهم بغض البصر عن المعاصي ، وانتحوا دار
السلام التي من دخلها كان آمناً من الريب والأحزان)
* أقول : ويناسب هنا نقل كلام من راهب
عظيم الشأن وهو مانقل عن قثم الزاهد قال : رأيت راهباً على باب بيت المقدسس
كالواله فقلتُ له أوصني فقال : كن كرجل احتوشته الشباع فهو خائفٌ مذعورٌ يخافُ أن
يسهو فتفترسه ويلهو فتنهشهُ ، فليله ليل مخافة اذا أمن فيه المفترون ، ونهاره نهار
حزن اذا فرح البطالون).
ثمّ انّه ولى وتركني فقلت له : زدني.
فقال : إنّ الظمئان يقنع بيسير الماء .
*حكاية :
نقل انّ كافي الكفاة الصاحب بن عباد :
(استدعى في بعض الأيّام شراباً ، فاحضروا
قدحاً ، فلما أراد أن يشربه ، قال بعض خواصه : لا تشربه ، فانّه مسموم.