ومهما اختلف القوم فالمسألة ليست داخلة ضمن معدودات الترف الفكري ، بل انّها من المسائل الحياتية المهمة جداً سواءاً نوقشت بالطريقة الفلسفية أو بالطريقة الأخلاقية أو غيرها.
وبما أن بداية العوالم الاُخرى تبتدأ بالموت وتنتهي بالمعاد فلذلك كانت مسألة الموت والمعاد من المسائل المهمّة التي عولجت بعدة طرق من البحث ، فقد اهتم بها الفكر الاسلامي والعقيدة الاسلامية فعدت خامس اصول الدين بعد التوحيد والعدل والنبوة والامامة ، ولأهميتها فقد اهتم بها الفكر الفلسفي والكلامي الاسلامي وقد نوقشت قضايا المعاد لإثبات النشأة الآخرة وحشر الاجسام ونشر الأرواح والنفوس ، والمعاد الجسماني ، أو الروحاني ، والبحث في بقاء النفوس وتجرّدها والنفوس التي تحشر والنفوس التي لا تحشر ، وهل أن الاجسام التي ترزق المعاد هي تلك الاجسام التي أحسنت في الدنيا ، وهي التي عصت الحقّ تعالى فيها ، أم انّها أجسام اُخرى لم تكن في الدنيا ولم تحسن فيها ولم تسيء فيها. وقد اتفق العِلمان في بعض مسائلهما وقد اختلفا في مسائل اُخرى كما هو ديدنهما ، ولكن كالعادة لكل منهما طريقته بالاستدلال والبرهنة ـ وليس هنا محل الاطالة والاطناب والتفصيل ـ ولكن الشيء الذي لابدّ من الاشارة إليه هنا هو انّ العلمين قد ناقشا قضايا الموت والمعاد من وجهة عقائدية طبق قوانين الاثبات ، يعني أن قضايا الموت والمعاد التي نوقشت في هذين العلمين ـ وإن اختلف الحجم الكمّي للمسائل أو الاسلوب الاستدلالي وطريقته ـ ولكنهما حصرا البحث بمقدار ما يرتبط بالاثبات أو النفي لما يراد معرفته ، أو بما يتعلق بالعقيدة الاسلامية.
أما الفكر العرفاني الاسلامي فقد ركز اهتماماته اهتماماته على مسائل الموت والمعاد باعتبار أن بها يتحقق الوصول الى وطن سلوك العارفين (١) ، وأن الموت وما بعده
__________________
(١) الوطن عند العرفاء هو محل هبوط الحقيقة التي تهوي اليها النفوس الكلية ، وهو دار هجرة السالكين في طي منازل السلوك واعظمها هجرتهم من وجودهم الاعتباري والرحيل الى الوطن الحقيقي فيكون بالله بعد أن يفنى في الله تعالى.