فقد يولد الانسان في هذه الدنيا وبدون اختيار منه في عائلة غنية أو فقيرة ، ولكنه قادر على أن يغير طريقه حياته في هذه الدنيا بارادته على ضوء حركته الذاتية فإنه ( لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ) (١) و ( فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ) (٢) وقال تعالى : ( وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ) (٣).
وقال تعالى : ( إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ ) (٤) وكذلك فانّ الانسان يولد في العوالم الاُخرى بارادته ويحدد المكان والبيئة والموقع الاجتماعي فيها باختياره وهو في الدنيا ، فانّ العوالم الاُخرى انّما تبنى بأعمال الانسان في هذه الدنيا التي يعيش فيها.
روى ثقة الاسلام الكليني في الكافي الشريف بإسناده عن الامام الصادق عليهالسلام قال :
جاء رجل الى أبي ذر ، فقال : يا أبا ذر مالنا نكره الموت؟
فقال : لانّكم عمّرتم الدنيا ، وأخربتم الآخرة ، فتكرهون ان تنقلوا من عمران الى خراب.
فقال له : فكيف ترى قدومنا على الله؟
فقال : أما المحسن منكم فكالغائب يقدم على أهله ، وأما المسيء فكالآبق يرد على مولاه ... » (٥).
* وروي عن سويد بن غفلة أنه قال : « دخلت على أمير المؤمنين عليهالسلام بعد ما بويع بالخلافة وهو جالس على حصير صغير ليس في البيت غيره ، فقلت : يا أمير المؤمنين بيدك بيت المال ولست أرى في بيتك شيئاً مما يحتاج إليه البيت »؟
فقال عليهالسلام : « يابن غفلة! أن اللبيب العاقل لا يتأثث في دار النقلة ، ولنا دار أمن
__________________
(١) سورة النجم : الآية ٣٩.
(٢) سورة الملك : الآية ١٥.
(٣) سورة الاسراء : الآية ١٩.
(٤) سورة طه : الآية ١٥.
(٥) الكافي : ج ٩ ، ص ٤٥٨ ، ح ٢٠.