وبعبارة واضحة أنه تعالى قديم أزلي أبدي سرمدي ليس مسبوقا بعلة ولا يعتريه عدم ، بل هو الأول بلا أول يكون قبله والآخر بلا آخر يكون بعده ولم يسبق له حال حالا فيكون أولا قبل أن يكون آخرا ، ويكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا ، قال تعالى : (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) والدليل على ذلك مضافا إلى النقل الصحيح أنه لو جاز عليه ذلك لاحتاج إلى مؤثر في إيجاده وإعدامه فيكون ذلك المؤثر أولى بأن يكون هو الواجب ، ولأنه لو لم يكن كذلك لم يكن وجوده واجبا ولا أزليا فيكون محتاجا ، تعالى الله عن ذلك بل هو الغنى بذاته عما سواه.
سئل مولانا إمامنا الباقر عليهالسلام عن الله متى كان ، فقال : متى لم يكن حتى أخبرك متى كان.
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام إنما يقال : متى كان لما لم يكن ، فإما ما كان فلا يقال : متى كان ، كان قبل القبل بلا قبل وبعد البعد بلا بعد.
السادس : مدرك متكلم اجمع المسلمون على أن الله تعالى يدرك حقائق الكون ودقائق الوجود ، ومن إدراكه أنه سميع بصير كما لا خلاف بين المسلمين ان الله تعالى متكلم وكيفية سمعه وأبصاره وكلامه تختلف عن كيفية سمع مخلوقاته وأبصارهم وتكلمهم لأنهم يسمعون ويبصرون ويتكلمون بآلة السمع وجهاز الابصار واللسان ، أما هو تعالى فإنه يتكلم بخلق الأصوات والكلمات في بعض مخلوقاته فتنطق بما يريد وتتكلم بما يدل على إرادته مثال ذلك كلامه مع النبي موسى عليهالسلام كما في القرآن : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) النساء ١٦٤) فإنه تعالى خلق الكلام في الشجرة في البقعة المباركة ، وذلك كما جاء في قوله تعالى : (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) سورة القصص / ٣٠.
كما أنه تعالى يسمع ويبصر لأنه يدرك المسموعات والمبصرات بعلمه وبقدرته ودليل ذلك قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ