فلسفة بعث الأنبياء :
السبب في بعث الأنبياء وإنزال الكتب وبعبارة أخرى العلة في الدعوة الدينية ، وهو أن الإنسان بحسب طبعه وفطرته سائر نحو الاختلاف كما أنه سالك نحو الاجتماع المدني ، وإذا كانت الفطرة هي الهادية إلى الاختلاف لم تتمكن من رفع الاختلاف ، وكيف يدفع شيء ما يجذبه إليه نفسه ، فرفع الله هذا الاختلاف بالنبوّة والتشريع بهداية النوع إلى كماله اللائق بحالهم المصلح لشأنهم ، وهذا الكمال كمال حقيقي داخل في الصنع والإيجاد ، فما هو مقدمته كذلك ، وقد قال تعالى : (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) طه / ٥٠. فبين أن من شأنه وأمره تعالى أن يهتدي كل شيء إلى ما يتم به خلقه ، ومن تمام خلقة الإنسان أن يهتدي إلى كمال وجوده في الدنيا والآخرة ، وقد قال تعالى أيضا : (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) الاسراء / ٢٠. وهذه الآية تفيد أن شأنه تعالى هو الإمداد بالعطاء يمد كل من يحتاج إلى إمداده في طريق حياته ووجوده ويعطيه ما يستحقه وأن عطائه غير محظور ولا ممنوع من قبله تعالى.
وإذا كانت الطبيعة الإنسانية هي المؤدية إلى هذا الاختلاف العائق للإنسان عن الوصول إلى كماله السحري به وهي قاصرة عن تدارك ما أدت إليه وإصلاح ما أفسدته ، فالإصلاح لو كان يجب أن يكون من جهة غير جهة الطبيعة ، وهي الجهة الإلهية التي هي النبوّة بالوحي.
ولذا عبر تعالى عن قيام الأنبياء بهذا الإصلاح ورفع الاختلاف بالبعث ولم ينسبه في القرآن كله إلا إلى نفسه.
إنما بعث الله تعالى الأنبياء لرفع الاختلاف ولتكميل البشر بصورة تدريجية