كافة الخلق فى جهالتهم كالحمر المستنفرة والبهائم المسيبة. وهذا هو الداء العضال المستولى على الأذكياء فضلا عن الجهال الأغبياء ؛ وكل ذلك حب للنادر الغريب ونفرة عن الشائع المستفيض ؛ وهذه سجيّة لبعض الخلق ، على ما شهدت به التجربة ، وتدل عليه المشاهدة.
(الصنف الخامس) طائفة سلكوا طرق النظر ولم يستكملوا فيه رتبة الاستقلال ، وإن كانوا قد ترقوا عن رتبة الجهال فهم أبدا متشوقون إلى التكاسل والتغافل وإظهار التفطن لدرك أمور تتخيل العامة بعدها وينفرون عنها ، لا سيما إذا نسب الشيء إلى مشهور بالفضل ، فيغلب على الطبع التشوق إلى التشبه به ، فكم من الطوائف رأيتهم اعتقدوا محض الكفر تقليدا لأفلاطن وأرسطاطاليس (١) وجماعة من الحكماء قد اشتهروا بالفضل! وداعيهم إلى ذلك التقليد وحب التشبه بالحكماء والتحيز إلى غمارهم والتحيز عمّن يعتقد أنه فى الذكاء والفضل دونهم. فهؤلاء يستجرون إلى هذه البدعة بإضافتها إلى من يحسن اعتقاد المستجيب فيه فيبادر إلى قبوله تشفعا بالتشبه بالذى ذكر أنه من منتحليه.
(الصنف السادس) طائفة اتفق نشوؤهم بين الشيعة والروافض ، واعتقدوا التدين بسب الصحابة ، ورأوا هذه الفرقة تساعدهم عليها ، فمالت نفوسهم إلى المساعدة لهم والاستئناس بهم ، وانجرّت معهم إلى ما وراء ذلك من خصائص مذهبهم.
(الصنف السابع) طائفة من ملحدة الفلاسفة والثنوية والمتحيرة فى الدين ، اعتقدوا أن الشرائع نواميس مؤلفة ، وأن المعجزات مخاريق مزخرفة ، فإذا رأوا هؤلاء يكرمون من ينتمى إليهم ويفيضون ذخائر الأموال عليهم انتدبوا لمساعدتهم طلبا لحطام الدنيا ، واستحقارا لأمر العقبى.
وهذه الطائفة هم الذين لفقوا لهم الشبه وزينوا لهم بطريق التمويه الحجج ،
__________________
(١) أفلاطون ، وأرسطو فيلسوفى اليونان ولقد كان الإمام الغزالى أشهر من سفه الفلسفة وهاجمها فى كتابه : [تهافت الفلاسفة].