(الصنف الأول) طائفة ضعفت عقولهم وقلت بصائرهم وسخفت فى أمور الدين آراؤهم لما جبلوا عليه من البله والبلادة ، مثل السواد وأفجاج العرب والأكراد وجفاة الأعاجم وسفهاء الأحداث ، ولعل هذا الصنف هم أكبر الناس عددا. وكيف يستبعد قبولهم لذلك ونحن نشاهد جماعة فى بعض المدائن القريبة من البصرة يعبدون أناسا يزعمون أنهم ورثوا الربوبية من آبائهم المعروفين بالشباسية. وقد اعتقدت طائفة فى على ـ رضى الله عنه ـ أنه إله السموات والأرض رب العالمين (١) ؛ وهم خلق كثير لا يحصرهم عدد ولا يحويهم بلد ؛ فلا ينبغى أن يكثر التعجب من جهل الإنسان إذا استحوذ عليه الشيطان واستولى عليه الخذلان.
(الصنف الثانى) طائفة انقطعت الدولة عن أسلافهم بدولة الإسلام ، كأبناء الأكاسرة والدهاقين وأولاد المجوس المستطيلين ، فهؤلاء موتورون ، قد استكن الحقد فى صدورهم كالداء الدفين فإذا حركته تخاييل المبطلين اشتعلت نيرانه فى صدورهم فأذعنوا لقبول كل محال تشوقا إلى درك ثأرهم وتلافى أمورهم.
(الصنف الثالث) طائفة لهم همم طامحة إلى العلياء متطلعة إلى التسلط والاستيلاء ؛ إلا أنه ليس يساعدهم الزمان ، بل يقصر بهم عن الأتراب والأقران طوارق الحدثان ؛ فهؤلاء إذا وعدوا بنيل أمانيهم وسول لهم الظفر بأعاديهم سارعوا إلى قبول ما يظنونه مفضيا إلى مآربهم وسالكا إلى أوطارهم ومطالبهم ، فلطالما قيل : «حبك الشيء يعمى ويصم». ويشترك فى هذا كل من دهاه من طبقة الإسلام آمر يلم به. وكان لا يتوصل إلى الانتصار ودرك الثأر إلا بالاستظهار بهؤلاء الأغبياء الأغمار ، فتتوفر دواعيه على قبول ما يرى الأمنية فيه.
(الصنف الرابع) طائفة جبلوا على حب التميز عن العامة والتخصص عنهم ترفعا عن مشابهتهم وتشرفا بالتحيز إلى فئة خاصة تزعم أنها مطلعة على الحقائق ، وأن
__________________
(١) أول من قال بذلك عبد الله بن سبأ ـ المعروف بابن السوداء ؛ وكان ذلك فى حياة على ـ رضى الله عنه ـ ؛ وقد أنكر عليه ذلك ؛ وأهدر دمه.