اشتغل بالإمامة وخاض فى القيام بموجب الزعامة محتكما فى أوامره ونواهيه على الخاصة والعامة ، إذا بطل اشتراط إجماع كافة الخلق وكافة أهل الحلّ والعقد فالتخصيص بعد ذلك تحكّم ، إذ ليس من يشترط باتفاق أهل بلدة بأولى ممن يكتفى بأهل محلة أو قرية أو لم يشترط اتفاق أهل ناحية أو إقليم ، ومن لا يشترط إجماع أربعين أو خمسة أو أربعة أو اثنين بأولى من غيره من الأعداد ، وهذه المقدّرات قد ذهب إلى التحكم بها ذاهبون بمجرد التشهّى من غير مستند ، فلا يبقى إلا الاكتفاء ببيعة شخص واحد وفى الأشخاص كثرة ، وأحوالهم متعارضة ، ولا يترجّح شخص على شخص إلا بالعصمة ، فيجب أن يكون إذا مولى العهد واحدا ، وليكن ذلك الشخص معصوما وهو معتقدنا ، وعند هذا لا تنفع الكثرة فى المخالفين لذلك الواحد المتميز عن غيره ، فإذا لا معتصم فى الكثرة التى تعلقتم بها.
قلنا : نعم! لا مأخذ للإمامة إلا النصّ ، أو الاختيار ، ونحن نقول : مهما بطل النص ثبت الاختيار ، وقولهم إن الاختيار باطل لأنه لا يمكن اعتبار كافة الخلق ولا الاكتفاء بواحد ، ولا التحكم بتقدير عدد معين بين الواحد والكل ، فهذا جهل بمذهبنا الّذي نختاره ونقيم البرهان على صحته ، والّذي نختاره أنه يكتفى بشخص واحد يعقد البيعة للإمام مهما كان ذلك الواحد مطاعا ذا شوكة لا تطال ومهما كان مال إلى جانب مال بسببه الجماهير ولم يخالفه إلّا من لا يكترث بمخالفته ، فالشخص الواحد المتبوع المطاع الموصوف بهذه الصفة إذا بايع كفى ، إذ فى موافقته موافقة الجماهير ، فإن لم يحصل هذا الغرض إلّا لشخصين أو ثلاثة فلا بد من اتفاقهم ، وليس المقصود أعيان المبايعين ، وإنما الغرض قيام شوكة الإمام بالأتباع والأشياع ، وذلك يحصل بكل مستول مطاع. ونحن نقول : لما بايع عمر أبا بكر ـ رضى الله عنهما! ـ انعقدت الإمامة له بمجرد بيعته ؛ ولكن لتتابع الأيدى إلى البيعة بسبب مبادرته ، ولو لم يبايعه غير عمر وبقى كافّة الخلق مخالفين ، أو انقسموا انقساما متكافئا لا يتميز فيه غالب عن مغلوب لما انعقدت الإمامة ، فإن شرط ابتداء الانعقاد قيام الشوكة وانصراف القلوب إلى المشايعة ومطابقة البواطن