والظواهر على المبايعة ، فإن المقصود الّذي طلبنا له الإمام جمع شتات الآراء فى مصطدم تعارض الأهواء ، ولا تتفق الإرادات المتناقضة والشهوات المتباينة المتنافرة على متابعة رأى واحد إلّا إذا ظهرت شوكته وعظمت نجدته وترسّخت فى النفوس رهبته ومهابته ، ومدار جميع ذلك على الشوكة ، ولا تقوم الشوكة إلا بموافقة الأكثرين من معتبرى كل زمان.
فإذا بان أن هذا مأخذ الإمامة ، فليس يتمارى فى أن الجهة الشريفة التى ننصرها قد صرف الله وجوه كافة الخلق إليها وجبل قلوبهم على حبّها ، ولذلك قامت الشوكة له فى أقطار الأرض ، حتى لو ظهر باغ يظهر خلافا فى هذا الجناب الكريم ، ولو بأقصى الصين أو المغرب ، لبادروا إلى اختطافه وتطهير وجه الأرض منه ، متقربين إلى الله تعالى.
وقد لاح لك الآن كيف ترقينا من هذه المغاصة المظلمة ، وكيف دفعنا ما أشكل على جميع جماهير النظار من تعيين المقدار فى عدد أهل الاختيار ، إذ لم نعين له عددا ، بل اكتفينا بشخص واحد يبايع ، وحكمنا بانعقاد الإمامة عند بيعته ، لا لتفرده فى عينه ، ولكن لكون النفوس محمولة على متابعته ومبايعة من أذعن هو لطاعته ، وكان فى متابعته قيام قوة الإمام وشوكته ، وانصراف قلوب الخلائق إلى شخص واحد أو شخصين أو ثلاثة على ما تقتضيه الحال فى كل عصر ، ليس أمرا اختياريا يتوصّل إليه بالحيلة البشرية ، بل هو رزق إلهى يؤتيه الله من يشاء ، فكأنا فى الظاهر رددنا تعيين الإمامة إلى اختيار الله تعالى ونصبه ؛ إلا أنه قد يظهر اختيار الله عقيب متابعة شخص واحد أو أشخاص. وإنما المصحح لعقد الإمامة انصراف قلوب الخلق لطاعته والانقياد له فى أمره ونهيه ، وهذه نعمة وهدية من الله تعالى. فإذا أتاحها لعبد من عباده وصرف إلى محبته وجوه أكثر خلقه ، كان ذلك من الله تعالى لطفا فى اختياره لخلافته وتعيينه للاقتداء بأوامره فى تفقد عباده ، وذلك أمر لا يقدر كل البشر على الاحتيال لتحصيله.