الروندية (١). فى النص على العباس رضى الله عنه! ، فإذا بطل تلقى الإمامة من النص لم يبق إلا الاختيار من أهل الإسلام والاتفاق على التقديم والانقياد ، وعند ذلك يبين أنه مهما وقع الاتفاق على نصب واحد كما اتفقوا فى بداية إمامة العباسية فمن طمح إلى طلبها لنفسه كان باغيا ، فإنهم لو اختلفوا فى مبدأ الأمر وجب الترجيح بالكثرة فى ذلك عند تقابل العدد وتقاربهم ، فكيف إذا أطبق كل من شرقت عليهم الشمس شارقة وغاربة ، لم يخالفهم إلا فئة معدودة وشرذمة يسيرة لا يؤبه ولا يعبأ بهم لشذوذهم بالإضافة إلى الخلق الكثير والجم الغفير الذين هم فى مقابلتهم ولا عشر العشر من أعشارهم وما هم إلا كالحسوة (٢) فى البحر الزاخر والموج المتلاطم.
فإن قيل : وبم تنكرون على من يقول : لا مأخذ للإمامة إلا النص أو الاختيار ، فإذا بطل الاختيار ثبت النص؟ ويدل على بطلان الاختيار أنه لا يخلو إمّا أن يعتبر فيه إجماع كافة الخلق ، أو إجماع كافة أهل الحلّ والعقد من جملة الخلق فى جميع أقطار الأرض ، أو يعتبر إجماع أهل البلد الّذي يسكنه الإمام ويقدّر بإجماع عشرة أو خمسة أو عدد مخصوص ، أو يكتفى بمبايعة شخص واحد ، وباطل أن يعتبر فيه إجماع كافة الخلق فى جميع أقطار الأرض ، فإن ذلك غير ممكن ولا مقدور لأحد من الأئمة ، ولا فرض ذلك أيضا فى الأعصار الخالية للأئمة الماضين ، وباطل أن يعتبر إجماع جميع أهل الحل والعقد فى جميع أقطار الأرض ، لأن ذلك مما يمتنع أو يتعذّر تعذّرا يفتقر فيه إلى انتظار مدة عساها تزيد على عمر الإمام ، فتبقى الأمور فى مدة الانتظار مهملة ؛ ولأنه لمّا عقدت البيعة لأبى بكر ـ رضى الله عنه! ـ لم ينتظر انتشار الأخبار إلى سائر الأمصار ، ولا تواتر كتب البيعة من أقاصى الأقطار ، بل
__________________
(١) الروندية (أو الريوندية كما فى «شذرات الذهب») جماعة ظهرت فى سنة ١٤١ ه ، «وهم قوم خراسانيون على رأى أبى مسلم «الخراسانى» صاحب الدعوة «العباسية» يقولون بتناسخ الأرواح ، وأن ربهم الّذي يطعمهم ويسقيهم : المنصور ، وأن الهيثم بن معاوية : جبريل ؛ فأتوا قصر المنصور وطافوا فيه ..» («شذرات الذهب» ج ١ ص ٢٠٩).
(٢) الحسوة : قدر ما يحسى مرة واحدة.