فى حق واحد لم تبق ريبة فى ثبوتها للثانى ، والمسالك الدالة على إبطال الإمامة التى تدعيها الباطنية وترجيح الإمامة التى ندّعيها أكثر من أن تدخل تحت الحصر ، فلسنا نسلك فيه مسلك الاستقصاء ، ولكنا نقتصر على دليلين واقعين قاطعين تقر بهما كل عين ، ويشترك فى دركهما الفطن والغبى والمحنك والصبىّ ، والمعاند المنصف ، والمقتصد والمتعسف.
الأول : هو أن عصام شرائط الإمامة صحّة العقيدة وسلامة الدين ، ولقد حكينا عن مذهب الباطنية وصاحبهم ما اقتضى أدنى درجاته التبديع والتضليل ، وأعلاه التكفير والتبرى ، وذلك فى إثباتهم إلهين قديمين ، على ما أطبق عليه جميع فرقهم.
والثانى : فى إنكارهم الحشر والنشر والجنة والنار وجملة ما اشتمل عليه وعد القرآن ووعيده بفنون من التأويلات باطلة ، وذلك مما نعلم أنه لو ذكر شيء منه فى زمان رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعصر الصحابة بعده لبادروا إلى حزّ الرقبة ولم يتماروا أنه صريح التكذيب لله ولرسوله ، فمن كذّب الله فى وحدانيته ولم يصدّق بالآيات الواردة فى التوحيد ولم يصدّق بالقيامة والبعث والنشور كيف يصلح أن ينتصب منصب الإمامة وأن يناط به عرى الإسلام؟! وهذا المسلك يتحققه الناظر إذا تصفح ثم رجع إلى مذاهبهم التى ذكرناها فى إبطاله ، فصحّ له بمجموع النظرين ما ذكرناه من اختلال الدين وفساد العقيدة. وأنّى يصح للإمامة من فيه مثل هذه الرذيلة!
المسلك الثانى : أنّا نسلّم جدلا ـ على سبيل التبرع والتقرير لمورد هذا السؤال ـ أن صاحب الباطنية صالح للإمامة بصفاء الاعتقاد وصحّة الدين وحصول سائر الشروط ، فمسلك الترجيح غير منحسم ، فإن الإمامة التى ندّعيها أجمع عليها أئمة العصر وعلماء الدهر ، بل جماهير الخلق وأقاليم الأرض فى أقصى المشرق وفى أقصى المغرب حتى تطوّق الطاعة له والانقياد لأمره كلّ من على بسيط الأرض إلّا شرذمة الباطنية ، ولو جمع قضّهم وقضيضهم وصغيرهم وكبيرهم لم يبلغ عددهم