أنه لو تصرم عليهم لحظة لا إمام لهم فربما هجم عليهم حادثة ملمّة وارتبكوا فى حادثة عظيمة تتشتت فيها الآراء ، وتختلف فيها الأهواء ، ولا يصادفون فيها متبوعا مطاعا يجمع شتات الآراء لانخرم النظام وبطل العصام وتداعت بالانفصام عرى الأحكام. فلأجل ذلك آثروا البدار إليه ، ولم يعرجوا فى الحال إلا عليه. وهذا قاطع فى أن نصب الإمام أمر ضرورى فى حفظ الإسلام.
المسلك الثانى : هو أن نقول : لا يتمارى متدين فى أن الذب عن حوزة الدين والنضال دون بيضته والانتداب لنصرته وحراسته بالمحافظة على نظام أمور جند الإسلام وعدته أمر ضرورى واجب لا بدّ منه ، وأن النظام لا يستمر على الدوام إلا بمترصد يكلأ الخلق بالعين الساهرة ، فمهما اشرأبت فئة للثوران وكشّرت عن نابها وأشرفت على الاستحكام بادر إلى تطفئتها وحسم غائلها ، فإنها لو تركت حتى إذا ثارت اشتغل بتطفئتها العوام والطغام والأفراد والآحاد ، لأفضى ذلك إلى التعادى والتضادّ ، وصارت الأمور شورى ، وبقى الناس فوضى مهملين سدى متهافتين على ورطات الردى ، مقتحمين فيه مسالك الهوى ومناهج المنى ، وعند ذلك تتناقض الإرادات ، وتتنازع الشهوات ، وتفضى بالآخرة إلى استيلاء الرذائل على الفضائل وتوثب الطغام على علماء الإسلام والأماثل ، وتمتد الأيدى إلى الأموال والفروج ، وأصبحت الأيدى السافلة عالية. وليس يخفى ما فى ذلك من حلّ عصام الأمور الدينية والدنيوية ، فيتبين بهذا للناظر البصير أن الإمام ضرورة الخلق لا غنية لهم عنه فى دفع الباطل وتقرير الحق. فقد ثبتت هذه المقدمة وهى أن الإمام لا بدّ منه ، فإن قيل : وبم تنكرون على من ينازع فى المقدمة الثانية ـ وهى قولكم : لا يترشح للإمامة سواه؟ فإن الباطنية يدعون الخلق إلى مترشح لها غير ما إليه دعوتكم ، فكيف تستتب لكم هذه الدعوى؟
قلنا : لا ننكر دعوى بعض المدّعين للإمامة بغير استحقاق ، ولكنّا نقول : إذا بطل ما تدعيه الباطنية تعيّنت الإمامة لمن يدعيها ، وحصل ما نرومه ونبتغيه. فإنه إذا لم يكن بدّ من إمام وفاقا ، وثبت أن الإمامة لا تعدو شخصين ، وثبت بطلان الإمامة