النفوس والدماء والفروج والأموال ، وانطوى بساط الشرع بالكلية فى هذه المهمات العظيمة.
فالكشف عن فساد كل مذهب يتداعى إلى هذه العظائم من مهمات الدين وفرائضه ؛ إلا أن تقرير ذلك متوعر ، وترتيبه مع الاحتراز عن التهدف للإشكالات والاعتراضات متعسر ، ونحن بتوفيق الله نكشف الغطاء عنه فنقول :
ندعى أن الإمام المستظهر بالله ـ حرس الله أيامه ـ هو الإمام الحق الواجب الطاعة ، فإن طولنا بإقامة البرهان عليه تدرجنا فى تحقيقه وتلطفنا فى تفهيمه ، إلى أن يعترف المستريب فيه بالحق ، ويلوح له وجه الصواب والصدق ، ونقول : لا بدّ من إمام فى كل عصر ، ولا مترشح للإمامة سواه فهو الإمام الحق إذا ، فهذه نتيجة بنيناها على مقدمتين : إحداهما قولنا لا بدّ من الإمام ، والأخرى قولنا : لا يترشح للإمامة سواه. ففى أيهما النزاع؟ فإن قيل : بم تنكرون على من لا يسلم أنه لا بدّ من إمام ، بل يقول : لنا غنية عنه؟ ـ قلنا : هذا سؤال اتفقنا نحن والباطنية وسائر أصناف المسلمين على بطلانه ، فإنهم أجمعوا وتطابقوا على أنه لا بدّ من إمام ؛ وإنما نزاعهم فى التعيين لا فى الأصل. ولم يذهب أحد إلى أن الإمام لا يجب نصبه وأنه يستغنى عنه إلّا رجل يعرف بعبد الرحمن بن كيسان (١). ولا يستريب محصل فى بطلان مذهبه وفساد معتقده ، وكأننا ننبه المسترشد عليه بمسلكين : الأول هو أن ابن كيسان مسوق فيما يدعيه بإجماع الأمة قاطبة ، ولقد هجم بما انتحل من المذهب على خرق الإجماع وتضمخ برذيلة العدول عن سنن الاتباع ، فليلاحظ العصر الأول كيف تسارع الصحابة بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى نصب الإمام وعقد البيعة ، وكيف اعتقدوا ذلك فرضا محتوما وحقا واجبا على الفور والبدار وكيف اجتنبوا فيه التوانى والاستئخار حتى تركوا ـ بسبب الاشتغال به ـ تجهيز رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعلموا
__________________
(١) هو أبو بكر الأصم الّذي كان «يزعم أن القرآن جسم مخلوق ، وأنكر الأعراض أصلا ، وأنكر صفات البارى تعالى» (الشهرستانى : «الملل والنحل» بهامش «الفصل» لابن حزم ، ج ٢ ص ٨١ ؛ القاهرة سنة ١٣٤٧ ه) ويعرف مذهبه وأتباعه بالكيسانية.