مشروعية التقية ، وذلك فيما رواه ابن ماجة في سننه ، حيث عد تقية المقداد من فضائله ، إذ ذكرها في باب فضل سلمان وأبي ذر والمقداد (١) ، ولو كانت التقية غير جائزة في الإسلام ، لكان ينبغي أن يعدّها من معايبه لا من فضائله.
١٣ ـ حذيفة بن اليمان (ت / ٣٦ ه) :
قال السرخسي الحنفي (ت / ٤٩٠ ه) في المبسوط : «وقد كان حذيفة رضي الله عنه ممن يستعمل التقية على ما روي أنّه يداري رجلاً ، فقيل له : إنّك منافق!!
فقال : لا ، ولكني أشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كلّه» (٢).
ولعلّ حذيفة رضي الله عنه يريد بهذا الكلام : أنّ ترك التقية ليس مطلقاً في كلّ الحال ، وإنّ عدم مداراة الناس يؤدّي إلى نفرتهم ، وعزلته عنهم ، وربّما نتج من ترك التقية وعدم المداراة ما يؤدّي إلى ضرر أكيد ، فيكون من باب إلقاء النفس إلى التهلكة التي هي من الإثم الذي يُذهب الدين كلّه ، ومن هنا يتّضح عدم الفرق بين التقية والمداراة في مجال دفع الضرر ، وإن اختلفت المداراة عن التقية بجلب المنفعة ، زيادة على دفع الضرر ، والمداراة مشروعة عند سائر المسلمين كما يظهر من أبوابها في كتب الحديث وما أخرجه المحدّثون كالبخاري وغيره في تلك الأبواب من الاحاديث الكثيرة التي تحثّ عليها ، وتجعلها من صفات العاقل الحكيم ، وكيف لا؟ وقد مرّ ما يثبت مداراة نبيّنا الكريم (ص) لمن كان في طبعه نوع من الشكاسة.
__________________
(١) سنن ابن ماجة ٥٣ : ١ / ١٥٠.
(٢) المبسوط / السرخسي ٤٦ : ٢٤.