وعلى هذا الأساس
فالآية تهدف إلى بيان النعم التي أنعمها سبحانه على حبيبه منذ صباه فآواه بعد ما
صار يتيماً لا مأوى له ولا ملجأ ، وأفاض عليه الهداية بعد ما كان فاقداً لها حسب
ذاتها ، وأمّا تحديد زمن هذه الإفاضة فيعود إلى أوليات حياته وأيّام صباه بقرينة
ذكره بعد الإيواء الذي تحقّق بعد اليتم ، وتمّ بجدّه عبد المطلب فوقع في كفالته
إلى ثماني سنين ويؤيد ذلك قول الإمام أمير المؤمنين
عليهالسلام
: «ولقد قرن الله
به صلىاللهعليهوآلهوسلم
من لدن أن كان
فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره».
والحاصل : انّ
الهداية في الآية نفس الهداية الواردة في قوله : (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ
خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى)
، وفي قوله : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ)
إلى غير ذلك من
الآيات التي أوعزنا إليها ، والاعتقاد بكونه ضالاً أي فاقداً لها في مقام الذات
ثمّ أُفيضت عليه الهداية ، هو مقتضى التوحيد الأفعالي ولازم كون النبي الأكرم
صلىاللهعليهوآلهوسلم
ممكناً بالذات ،
فاقداً في ذاته كل كمال وجمال ، مفاضاً عليه كل جميل من جانبه سبحانه ، وأين هو من
الضلالة المساوقة للكفر والشرك أو الفسق والعصيان؟!
وإن
شئت قلت : إنّ الضلالة في
الآية ترادف الخسران الوارد في قوله سبحانه : (إِنَّ الْإِنْسانَ
لَفِي خُسْرٍ)
والهداية فيها
ترادف الإيمان والعمل الصالح الواردين بعده (إِلَّا الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)
، فالإنسان بما أنّه يصرف رأس ماله ، أعني : عمره الغالي كل يوم ، خاسر
بالذات ، إلّا إذا اكتسب به ما يبقى ولا ينفد أثره وهو الإيمان المقرون بالعمل
الصالح ، والنبي وغيره في هذه الأحكام سواسية بل في كل التوصيفات الواردة في مجال
الإنسان التي يثبتها القرآن له ولا
__________________