ولم يكن قيامه بهذا العمل صادراً عنه لجهة إظهار القدرة والسطوة أو للبطر والشهوة ، بل إطاعة لأمره سبحانه وذكره حتى يقف الموحدون على وظائفهم ، ويستعدوا للكفاح والنضال ما تمكنوا ، ويهيّئوا الأدوات اللازمة في هذا المجال. (١)
وهذا هو الذي تهدف إليه الآيات وينطبق عليها انطباقاً واضحاً ، فهلم معي ندرس المعنى الذي فرض على الآيات ، وهي بعيدة عن تحمّله وبريئة منه.
* نقد التفسير المفروض على القرآن
إنّ في نفس الآيات قرائن وشواهد تدل على بطلان القصة التي اتخذت تفسيراً للآيات ، وإليك بيانها :
١. انّ الذكر الحكيم يذكر القصة بالثناء على سليمان ويقول : (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) فاسلوب البلاغة يقتضي أن لا يذكر بعده ما يناقضه ويضادّه ، فأين وصفه بحسن العبودية والرجوع إلى الله في أُمور دينه ودنياه ، من انشغاله بعرض الخيل وغفلته عن الصلاة المفروضة عليه؟!
ولو فرضت صحة الواقعة ، فلازم البلاغة ذكرها في محل آخر ، لا ذكرها بعد المدح والثناء المذكورين في الآية.
٢. انّما يصح حمل قوله : (أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) على ما جاء في القصة إذا تضمن الفعل (أَحْبَبْتُ) معنى الترجيح والاختيار ، والتقدير أي أحببت حب الخير مقدّماً إيّاه على ذكر ربّي ومختاراً إيّاه عليه ، وهو يحتاج إلى
__________________
(١). وقد اختار هذا التفسير السيد المرتضى في تنزيه الأنبياء : ٩٥ ـ ٩٧ ، والرازي في مفاتيح الغيب : ٧ / ١٣٦ ، والمجلسي في البحار : ١٤ / ١٠٣ ـ ١٠٤ من الطبعة الحديثة.