دلالتها على عدم العصمة فنقول :
١. انّ قوله : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) يحتمل وجهين :
الأوّل : أن يكون لفظ «هذا» إشارة إلى المناقشة التي دارت بين القبطي والإسرائيلي وانتهت إلى قتل الأوّل ، وعلى هذا الوجه ليست فيه أيّة دلالة على شيء ممّا يتوخاه المستدل ... وقد رواه ابن الجهم عن الإمام الرضا عليهالسلام عند ما سأله المأمون عن قوله : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) فقال : الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين لا ما فعله موسى من قتله. (١)
الثاني : انّ لفظ «هذا» إشارة إلى قتله القبطي ، وإنّما وصفه بأنّه من عمل الشيطان ، لوجهين :
ألف : انّ العمل كان عملاً خطأً محضاً ساقه إلى عاقبة وخيمة ، فاضطر إلى ترك الدار والوطن بعد ما انتشر سره ووقف بلاط فرعون على أنّ موسى قتل أحد أنصار الفراعنة ، وائتمروا عليه ليقتلوه ، ولو لا أنّ مؤمن آل فرعون أوقفه على حقيقة الحال ، لأخذته الجلاوزة وقضوا على حياته ، كما قال سبحانه : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) (٢) ، فلم تكن لهذا العمل أيّة فائدة فردية أو اجتماعية سوى إلجائه إلى ترك الديار وإلقاء الرحل في دار الغربة «مدين» ، والاشتغال برعي الغنم أجيراً لشعيب عليهالسلام.
فكما أنّ المعاصي تنسب إلى الشيطان ، قال سبحانه : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٣) ،
__________________
(١). البرهان : ٣ / ٢٢٤ ؛ عيون أخبار الرضا : ١ / ١٩٩.
(٢). القصص : ٢٠.
(٣). المائدة : ٩٠.