وقس على ذلك كلّما يمرُّ عليك من الآيات التي تخاطب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بلحن شديد ، فتفسير الجميع بالوجهين اللّذين قدمنا ذكرهما.
* الآية الثانية : العصمة والعفو والاعتراض
كان النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم بصدد خلق مجتمع مجاهد يقف في وجه الروم الشرقية ، فأذن بالجهاد إلى ثغرها (تبوك) ، فلبّت دعوته زرافات من الناس بلغت ثلاثين ألف مقاتل ، إلّا أنّ المنافقين أبوا الاشتراك في صفوف المجاهدين ، فتعلّقوا بأعذار واستأذنوا في الإقامة في المدينة ، وأذن لهم النبي الأكرم ، وفي هذا الشأن نزلت الآية التالية :
(عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) (١).
والآية تصرّح بعفوه سبحانه عنه كما يقول : (عَفَا اللهُ عَنْكَ) ، كما تتضمن نوع اعتراض على النبي حيث أذن لهم في عدم الاشتراك ، كما يقول سبحانه : (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) ، وعندئذ يفرض هذا السؤال نفسه :
ألف : كيف يجتمع العفو مع العصمة؟
ب : ما معنى الاعتراض على إذن النبي؟
أقول : أمّا الجملة الأُولى : فتوضيحها بوجهين :
الأوّل : أنّها إنّما تدل على صدور الذنب ـ على فرض التسليم ـ إذا كانت جملة خبرية حاكية عن شمول عفوه سبحانه للنبي في الزمان الماضي ، وأمّا إذا
__________________
(١). التوبة : ٤٣.