وأتباعه صورة إنسان مصلح يحب قومَه ويطلب صلاحهم ولا تروقه الحرب والدمار والجدال فوقفوا على حقيقة الحال ، وعضّوا الأنامل على ما افتعلوا عليه من النسب وندموا على ما فعلوا ، فصاروا يميلون إلى الإسلام زرافات ووحداناً ، فأسلم خالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص ، والتحقا بالنبي قبل أن يسيطر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على مكة وحواليها.
إنّ هذه الواقعة التي لمس الكفار منها خلقه العظيم ، رفع الستار الحديدي الذي وضعه بعض أعدائه الألدّاء بينه وبين قومه ، فعرفوا أنّ ما يرمى به نبيّ العظمة ويوصف به بين أعدائه ، كانت دعايات كاذبة وكان هو منزّهاً عنها ، بل عن الأقل منها.
ولا تقصر عن هذه الواقعة ، فتح مكة ، فقد واجه قومه مرّة أُخرى ـ وهم في هزيمة نكراء ، ملتفون حوله في المسجد الحرام ـ فخاطبهم بقوله : «ما ذا تقولون وما ذا تظنون؟!» فأجابوا : نقول خيراً ونظن خيراً ، أخ كريم وابن أخ كريم ، وقدرت ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين». (١)
وهذا الفتح العظيم وقبله وقعة الحديبية أثبتا بوضوح أن النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم أكرم وأجل وأعظم من أن يكون كاهناً أو ساحراً ، إذ الكاهن والساحر أدون من أن يقوم بهذه الأُمور الجليلة ، كما أنّ لطفه العميم وخلقه العظيم آية واضحة على أنّه رجل مثالي صدوق ، لا يفتري ولا يكذب ، وإنّ ما جرى بينه وبين قومه من الحروب الدامية ، كانت نتيجة شقاقهم وجدالهم ومؤامراتهم عليه ، مرّة بعد أُخرى في موطنه ومهجره ، فجعلوه في قفص الاتهام أوّلاً ، وواجهوا أنصاره وأعوانه بألوان
__________________
(١). المغازي للواقدي : ٢ / ٨٣٥ ؛ وبحار الأنوار : ٢١ / ١٠٧ ـ ١٣٢.