قوله : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) ، فمن المحتمل جداً أنّه نظر إلى السماء متفكراً حتى يلاحظ حاله وانّه هل يقدر على المغادرة معهم أم لا ، والعرب تقول لمن تفكر : «نظر في النجوم» بمعنى أنّه نظر إلى السماء متفكراً في جواب سؤال القوم ، كما يفعل أحدنا عند ما يريد أن يفكر في شيء.
ويؤيد ذلك أنّه عليهالسلام قاله عند ما دعاه قومه إلى الخروج معهم لعيد لهم ، فعند ذلك نظر إلى النجوم وأخبرهم بأنّه سقيم ، ومن المعلوم أنّ الخروج إلى خارج البلد لأجل التنزّه لم يكن في الليل بل كان في الضحى ، فلو كانت الدعوة عند مطلع الشمس وأوّل الضحى لم يكن النظر إلى النجوم بمعنى ملاحظة الأوضاع الفلكية ، إذ كانت النجوم عندئذ غاربة ، فلم يكن الهدف من هذه النظرة إلّا التفكر والتأمل.
نعم لو كانت الدعوة في الليل لأجل الخروج في النهار كان النظر إلى النجوم مظنة لما قيل ، ولكنه غير ثابت.
نعم هناك معنى آخر لقوله : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) ، وهو أنّه عليهالسلام كان به حمّى ذات نوبة تعتريه في أوقات خاصة متعينة بطلوع كوكب أو غروبه ، فلأجل ذلك نظر في النجوم ، ووقف على أنّها قريبة الموعد ، والعرب تسمّي المشارفة على الشيء باسم الداخل فيه ، ولهذا يقولون لمن أضعفه المرض ، وخيف عليه الموت «هو ميت» وقال تعالى لنبيّه : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (١).
وأمّا استعمال كلمة «في» مكان «إلى» في قوله : (فِي النُّجُومِ) ، فلأجل أنّ الحروف يقوم بعضها مقام بعض ، قال الله تعالى : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ
__________________
(١). الزمر : ٣٠.