رَبَّهُ فَغَوى) لكن لا دلالة لهما على ما يرتئيه المستدل.
أمّا لفظة (عَصى) فهي وإن كانت مستعملة في مصطلح المتشرعة في الذنب والمخالفة للإرادة القطعية الملزمة ، ولكنه اصطلاح مختص بالمتشرعة ولم يجر القرآن على ذلك المصطلح ، بل ولا اللغة ، فإنّ الظاهر من القرآن ومعاجم اللغة أنّ العصيان هو خلاف الطاعة ، قال ابن منظور : العصيان خلاف الطاعة ، عصى العبد ربّه : إذا خالف ربّه ، وعصى فلان أميره ، يعصيه ، عصياً وعصياناً ومعصية : إذا لم يطعه. وعلى ذلك فيجب علينا أن نلاحظ الأمر الذي خولف في هذا الموقف ، فإن كان الأمر مولوياً إلزامياً كان العصيان ذنباً ، وإذا كان أمراً إرشادياً أو نهياً تنزيهياً لم تكن المخالفة ذنباً في المصطلح ، ولأجل ذلك لا يصلح التمسّك بهذا اللفظ وإثبات الذنب على آدم عليهالسلام.
وأمّا اللفظة الثانية : أعني (فَغَوى) فالجواب عنها : انّ الغي يستعمل بمعنى الخيبة ، قال الشاعر :
فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره |
|
ومن يغو لا يعدم على الغي لائماً |
أي ومن حرم من الخير ولم يلقه ، لا يحمده الناس ويلومونه.
وفي حديث موسى وآدم : (أغويت الناس) أي خيّبتهم ، كما أنّه يستعمل في معنى الفساد ، وبه فسر قوله سبحانه : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) أي فسد عليه عيشه كما سيأتي. (١)
إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ المراد من الغي في الآية هو خيبة آدم وخسرانه وحرمانه من العيش الرغيد الذي كان مجرداً عن الظمأ والعرى ، بل من المنغصات
__________________
(١). لاحظ لسان العرب : ١٥ / ١٤٠.