الكلمات هو صاحب البرسام دون غيره فقد بطل قولهم إن المتكلم ليس من قام به الكلام بل من فعل الكلام دون غيره.
ثم إنا نلزمهم عليه عجائب أخر نشرحها هاهنا فإنه قد وقع الاتفاق على أن المعجزات من فعل الله تعالى غير مكتسبة لجنس الحيوان والبشر ثم من المعجزات ما هو نطق وقول يخلقه الله في جماد أو حيوان مثل تكليم الشاة المسمومة «لا تأكل مني فإني مسمومة» ومثل تسبيح الحصى في يد الرسول عليهالسلام وشهادته برسالته ومثل مكالمته الضب ومثل منطق الطير وتأويب الجبال (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) [سبأ : ١٠] إلى غير ذلك مما قد استفاضت الأخبار الصحيحة بها فكل ذلك فعل الله تعالى فالمتكلم عندهم من فعل الكلام فيجب أن يكون الباري تعالى متكلما بها إذ كان فاعلا لها وهو محال ثم إن النجارية وافقت الأشعرية على أن الباري خالق أعمال العباد فيلزمهم أن يقولوا هو قائل بقولهم متكلم بكلامهم إذا كان فاعلا لها.
ومما نلزمهم أن القادر على الحقيقة من يكون قادرا على الضدين والكلام معنى له أضداد فإذا قالوا المتكلم من فعل الكلام يلزمهم أن يقولوا الساكت من فعل السكوت حتى لو خلق سكوتا في محل كان ساكتا ولو خلق أمرا في محل كان آمرا ولو خلق خبرا في محل كان مخبرا ثم من الأوامر ما يكون خيرا ومنه ما يكون شرا ومن الأخبار ما يكون صدقا ومنه ما يكون كذبا فيلزمهم إضافة الكل إلى الله تعالى وهو محال وأما ما أوردوه على قدم الكلام واتحاده فنفرد لهذين الإشكالين مسألتين ونتكلم عليهما بما فيه مقنع إن شاء الله تعالى لكنا نعارضهم هاهنا بما التزموه مذهبا.
فنقول : من المعلوم الذي لا مرية فيه أن النطق اللساني مركب من حروف والحروف مقطعات من أصوات وما من حرف يتفوه به الإنسان وينطق به اللسان إلا ويفنى عقيب ما وجد وينعدم كما يتجدد ويعقبه حرف آخر إلى أن يصير مجموع الحرفين والثلاث وأكثر كلمة ويصير مجموع الكلمتين والثلاث وأكثر كلاما مفهوما مشتملا على معنى من المعاني معلوم لو لا ذلك المعنى لم يسم الحروف والكلمات كلاما فإذا كل الحروف والكلمات محالها اللسان وكل المعاني والمفهومات محالها الجنان وبمجموع الأمرين سمي الإنسان ناطقا ومتكلما حتى لو وجدت الحروف اللسانية منه دون المعاني الجنانية سمي مجنونا لا متكلما إلا بالمجاز ولو وجدت المعاني الجنانية منه دون الألفاظ اللسانية سمي مفكرا لا متكلما إلا بالمجاز وإن كان بين الموضعين فرق وهو كالفرق بين المؤمن بلسانه دون قلبه وبين المؤمن بقلبه دون لسانه غير أنا