القاعدة الثالثة عشرة
في أن كلام الباري واحد (١)
ذهبت الأشعرية إلى أن كلام الباري تعالى واحد وهو مع وحدته أمر ونهي وخبر واستخبار ووعد ووعيد ، وذهبت الكرامية إلى أن الكلام بمعنى القدرة على القول معنى واحد وبمعنى القول معان كثيرة قائمة بذات الباري تعالى وهي أقوال مسموعة ، وكلمات محفوظة تحدث في ذاته عند قوله وتكلمه ولا يجوز عليها الفناء ولا العدم عندهم ، وذهبت المعتزلة إلى أن الكلام حروف منظومة وأصوات مقطعة شاهدا وغائبا لا حقيقة للكلام سوى ذلك ، وهي مخلوقة قائمة بمحل حادث إذا أوجدها الباري تعالى سمعت من المحل وكما وجدت فنيت ، وشرط أبو عليّ الجبائي البنية المخصوصة التي يتأتى منها مخارج الحروف شاهدا وغائبا ، ولم يشترط ذلك ابنه أبو هاشم في الغائب.
قالت الأشعرية : إذا قام الدليل على أن الكلام معنى قائم بذات الباري تعالى ، وكل معنى أو صفة له فهي واحدة ، وكل ما دلّ على أن علمه وقدرته وإرادته واحدة ، فذلك يدل على أن كلامه واحد ، وذلك أنه لو كان كثيرا لم يخل إما أن يكون أعدادا لا تتناهى وإما أن يكون أعدادا متناهية فإن كان أعدادا لا تتناهى فهو محال لأن ما حصره الوجود من العدد فهو متناه وإن اقتصر على عدد دون عدد فاختصاصه بالبعض دون البعض يستدعي مخصصا والقديم لا اختصاص له والصفة الأزلية إذا كانت متعلقة وجب عموم تعلقها بجميع المتعلقات لأن نسبتها إلى الكل وإلى كل واحد نسبة واحدة فلئن تعلقت بواحدة تعلقت بالكل ، وإن تخلفت عن واحدة تخلفت عن الكل وخصومنا لو وافقونا على أن الكلام في الشاهد معنى في النفس سوى العبارات القائمة باللسان ، وأن الكلام في الغائب معنى قائم بذات الباري تعالى سوى العبارات التي نقرؤها باللسان ونكتبها في المصاحف لوافقونا على اتحاد المعنى لكن لما كان الكلام لفظا مشتركا في الإطلاق لم يتوارد على محل واحد فإن ما يثبته الخصم كلاما فالأشعرية تثبته وتوافقه على أنه كثير وأنه محدث مخلوق وما يثبته الأشعري كلاما
__________________
(١) انظر : العقيدة الأصفهانية (ص ٩٦) ، وتبيين كذب المفتري (ص ٣٠٢) ، وغاية المرام للآمدي (ص ٨٨ ، ٨٩).