والإمام يحيى والفقيه حميد (١) قد صححوا الاستدلال بالسمع على هذه المسألة وغيرها من جنسها على أنه يكفي في معرفة صحة السمع ثبوت الدلالة على أنه عدل حكيم في الجملة ، فإذا عرف المستدل عدله وحكمته ونبؤة نبيه صح الاستدلال بالسمع ، فمنها قوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : ٢٩] مما يقتضي أنا مختارون في أفعالنا ، ومنها قوله تعالى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) [العنكبوت : ١٧] مما يدل على أنهم يقدرون على أفعالهم ، ومنها قوله تعالى : (بِما تَعْمَلُونَ) ، (ما تَصْنَعُونَ) ، (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النمل : ٩٠](لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) [القصص : ٥٥](يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) [آل عمران : ٣٠](وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) [الفرقان : ٢٣](مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) [النساء : ١٢٣] ونحو ذلك مما يصرح بأن لنا أعمالا نجازى عليها ، والقرآن مشحون بذلك ، ومذهبهم يقضي بصرف القرآن عن ظاهره ، ويدخله في قالب الهذيان.
ومما نستدل به على صحة ما نقوله في هذه المسألة السنة النبوية والإجماع ، أما السنة فنحو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» (٢) ، وقوله : «نية المؤمن خير من عمله ، ونية الفاسق شر من عمله» (٣) وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الأعمال
__________________
وله المؤلفات الكثيرة ، شرح المؤثرات القريب والبعيد وغيرهما ، والكيفية ، والتحصيل ، والفائق في أصول الفقه ، والقاطف للوتين ، وغير ذلك ، وكان المنصور بالله يخرج إليه من صنعاء إلى سناع ليلا لمسائل ومشكلات ، وهو المعلل حلول الأعراض بالفاعل ، وكتبت المسألة على لوح قبره ، ولما مات قال رجل : أتفرحون بموت رجل كان يرد على اثنتين وسبعين فرقة ، ولما مات قيل : مات علم الكلام ، وله كتاب المؤثرات ، وفاته : سنة ٥٨٤ ه.
(١) هو الفقيه حميد الشهيد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد ، وهو زيدي من مشايخ الإمام المهدي لدين الله أحمد بن الحسين ـ عليهالسلام ـ قام بنصرة الإمام المهدي وجاهد بين يديه واستشهد في وقعة بين جنود الإمام وبين أولاد المنصور بالله ، له تواليف نافعة كالحدائق الوردية والوسيط والعمدة في أصول الدين وغير ذلك ، وأخذ عن المنصور بالله وغيره ـ رحمهالله ـ.
(٢) حديث : «اعملوا فكل ميسر لما خلق» في الطبراني عن ابن عباس وعن عمران بن حصين ، قال المناوي في شرح الجامع الصغير : وإسناده صحيح. ا. ه.
(٣) هذا الحديث هو بهذا اللفظ في معجم الطبراني الكبير من حديث سهل بن سعد والنواس بن سمعان ، وفي مسند الفردوس للديلمي من حديث أبي موسى ، وفي الصحيح من حديث سعد بن أبي وقاص : «إنك لا ـ