(المسألة الحادية عشرة) من الكتاب
(أنه يجب على المكلف أن يعلم أن الله تعالى عدل حكيم ليس في أفعاله ما هو قبيح ولا ظلم ولا عبث ولا سفه) ولا كذب (ولا شيء من القبائح).
ولم يسمع عن أحد من أهل الجبر هذه المسألة ، ولا وجدت في شيء من كتبهم الكلامية ، وإن كانوا لو سئلوا عن ذلك لما وسعهم إنكاره ، وهذه المسألة هي أم مسائل العدل ، وما عداها من مسائله داخل تحتها ومفصّل لها كما نقوله في الدلالة على أنه غير خالق لأفعالنا ، فهي مشتملة على القبيح ، والله تعالى لا يفعله ، وتحقيق ذلك أن مسائل العدل على ضربين :
الأول : المسائل الإثباتية ، كالكلام في أنه تعالى يثيب من أطاعه ويعاقب من عصاه ، ويبين للمكلفين ما كلفوه ، ويمكنهم منه فلا يكلفهم ما لا يعلم ولا يطاق ، ويعوض المؤلمين ، ويقبل توبة التائبين ، وهي داخلة تحت قولهم فيها لا يخل بالواجب.
والثاني : المسائل النفييّة ، كالكلام في أنه ليس بخالق لأفعال العباد ، ولا يثيب أحدا بغير عمل منه ، ولا يعاقبه بغير ذنب منه ، ولا يريد المعاصي ولا يقضي بها ، ولا يرضى بها ولا يكلف ما لا يطاق وما لا يعلم ، وهذه كلها داخلة في أنه لا يفعل القبيح ، فعرفت صحة ما ذكر من كونها أم مسائل العدل ، وإنما سائر مسائله تفصيل لها وعائدة إليها.
نعم : وقد وافقت المجبرة في المنع من إطلاق القول بأن الله تعالى ظالم وجائر وفاعل للقبيح ، وأثبتوا المعنى فأضافوا إليه كل قبيح ، وجعلوا يحتالوا للمنع من إطلاق العبارة بما لا محصول له ولا طائل فيه.
(والدليل) لنا (على ذلك : أنه تعالى عالم بقبح القبيح وغني عن فعله وعالم باستغنائه عنه ، وكل من كان بهذه الأوصاف فهو لا يفعل القبيح ولا يختاره