قادر عالم ، والقادر العالم لا يكون إلا موجودا ؛ لأن المعدوم يستحيل أن يكون قادرا على شيء أو عالما به ، ألا ترى أن كثيرا من الموجودات كالجمادات والأعراض يستحيل أن تكون قادرة على شيء وعالمة به مع وجودها ، وإذا كانت كذلك فالمعدوم أولى ، (و) أما (الذي يدل على أن الله تعالى قديم أنه لو لم يكن قديما) لا أول لوجوده بأن يكون لوجوده أولا (لكان محدثا) ؛ لأن ذلك حقيقة المحدث (ولو كان محدثا لاحتاج إلى محدث) أحدثه قطعا لما تقدم من أن كل محدث يحتاج إلى محدث ، والمحدث يحتاج إلى أن نتكلم فيه فنقول : هو إما قديم أو محدث ، فإن كان محدثا تكلمنا في محدثه وقلنا : (وكل محدث يحتاج إلى محدث أحدثه ، ومحدثه إلى محدث) فيتسلسل (إلى ما لا نهاية) من المحدثين ومحدثيهم (وذلك محال) أو ينتهي إلى محدث قديم وهو المطلوب ، فوجب الاقتصار على أنه قديم لا يحتاج إلى محدث ، وهو الله تعالى فثبت أن الله تعالى قديم.
قال الإمام عز الدين عادت بركاته : وفيه سؤال وهو أن يقال : ما أنكرتم أكثر ما في الباب أنه لا بد من الانتهاء إلى قديم واجب الوجود وإلّا أدّى إلى ما لا يتناهى من المحدثين أو محدثي المحدثين ، ولكن ما أنكرتم أن صانع العالم الذي أثبتم له تلك الصفات بعض هؤلاء المحدثين المتوسطين ، أو أول ما ذكرتم من المحدثين كما هو مقتضى سياق الكلام ، فلا يثبت أن الإله المستحق للعبادة واجب الوجود.
والجواب : أن هذا المحدث الذي قدرتموه صانعا للعالم لا يخلو إما أن يكون من قبيل الأجسام أو الأعراض ؛ إذ المحدثات لا تنفك عن هذين القسمين ، وسيأتي التوجيه أن الجسم والعرض لا يصح منهما فعل الأجسام ونحوها ، وإذا تقرر ذلك فلا بد أن يكون صانع العالم قادرا لذاته ، عالما لذاته ، وفي ذلك نفي أن يكون محدثا ، ووجوب أن يكون قديما ، وكلامنا في المحدثين وتسلسلهم إنما هو على جهة الفرض والتقدير وبيان أنه لا بد من قديم ، وهذا الجواب وإن كان فيه استعانة بما يصلح أن يكون دليلا مستقلا حسن صحيح.