إذ قد خرج من قوله : (مع مشقة تلحقه في الفعل) فمن جمع هذه الشروط فالواجب عليه (هو النظر) وهو النظر الفكري. وحقيقته : المعنى الذي يولد العلم عند تكامل شروطه ، إذ لفظ النظر مشترك بين معان هذا أحدها.
والثاني : نظر العين نحو : نظرت إلى الهلال فلم أره ، وقد قيل في تحقيقه : فتح الجفن الصحيح الحدقة إلى حيث تقع الرؤية للمرئي ، أو القصد لرؤيته إذا لم ير.
وثالثها : نظر الرحمة ، وحقيقته : إرادة حصول منفعة للغير أو دفع مضرة عنه نحو :
(وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [آل عمران : ٧٧].
ورابعها : نظر المقابلة وهو تحاذي المتحيزين نحو : داري تنظر إلى دار فلان.
وخامسها : نظر الانتظار ، وحقيقته : التوقع لحصول أمر في المستقبل خيرا كان أو شرا نحو قوله تعالى : (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) [النمل : ٣٥] والنظر الفكري المراد هنا نحو : (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ) .. الآية [يونس : ١٠١] ومحله القلب.
قال المهدي : بلا خلاف بين من أثبته معنى ، والقول بوجوب النظر وأنه فرض عين على كل مكلف هو قول القاسم (١) والهادي وغيرهما من عامة الآل.
__________________
ـ يستحق الثواب إلا بأن يفعل الواجب لوجوبه والحسن لحسنه ، ويترك القبيح لقبحه ، والملجأ إنما يكون منه ذلك للإلجاء فقط. انظر ينابيع النصيحة ٢١١ ، طبع دار الحكمة.
(١) هو ترجمان الدين الإمام القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ عليهمالسلام ـ الرسي ، إمام الزيدية وعالمها ومتكلمها ، ولد سنة ١٧٠ ه ، بعد قتل الإمام الحسين بن علي الفخي بأشهر ، روى عن أبيه وأبي بكر بن أبي أويس وأبي سهل المقري وآخرين ، وعنه أولاده العلماء النجباء : محمد والحسن وسليمان ودواد والحسين وغيرهم ، وروى عنه محمد بن منصور المرادي وأبو جعفر النيروسي وغيرهما ، وكان مبرزا في جميع العلوم ، روى الإمام أبو طالب ـ عليهالسلام ـ في الإفادة : أن جعفر بن حرب لما حج ودخل على القاسم ـ عليهالسلام ـ فجاراه في دقيق الكلام ولطيفه ، فلما خرج من عنده قال لأصحابه : أين يتاه بأصحابنا عن هذا الرجل ، والله ما رأيت مثله ، وقال أبو طالب ـ عليهالسلام ـ : كان في مصر داعيا لأخيه محمد ، فلما مات بث دعاته في الآفاق ، فأجابه عوالم في بلدان مختلفة ولبث بمصر عشر سنين ، ثم اشتد عليه الطلب من عبد الله بن طاهر فعاد إلى الكوفة ، وكانت البيعة الكاملة في بيت محمد بن منصور سنة ٢٢٠ ه. بايعه أحمد بن عيسى وعبد الله بن موسى والحسن بن يحيى فقيه الكوفة ومحمد بن ـ