يتميز الكفر من الإيمان ، وعليه يدور رحى الحق في كل زمان ، وقد حكم بوجوبه وجلالته العقل ، وجاء بتأكيد ذلك القول الفصل ، قال تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) [محمد : ١٩] وقال : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ) [آل عمران : ٨١] وإنما تكون الشهادة عن يقين ، وأهل الأصول هم المعنيون بهذه الآية المخصوصون بشرفها ، ورد عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما جزاء من أنعم الله عليه بالتوحيد إلا الجنة» رواه الإمام عز الدين ـ عليهالسلام ـ.
ومن هنا (اعلم أن أول ما يجب (١) على المكلف (٢)) قيل المكلف : هو من أعلم بوجوب بعض المقدورات عليه ، وقبح بعضها منه مع مشقة تلحقه في الفعل أو الترك ، أو أحدهما ، أو في سبب ذلك ، أو ما يتصل بذلك ما لم يبلغ الحال حد الإلجاء.
فقوله : (أعلم) : ليدخل الكفار ، فإنهم أعلموا ، وإن لم يعلموا أنهم مكلفون ، وقوله : (مع مشقة في الفعل) للاحتراز عن أهل الجنة ، ومن علم ذلك ممن لا تكليف عليه كالصبيان ، وقوله : (أو في سبب ذلك) كالعلم بالله فالمشقة في سببه ، وهو النظر ، وقوله : (وما يتصل بذلك) نحو حراسة الفعل من نحو الرياء ، وإن كان الفعل لا مشقة فيه ، وقوله : (ما لم يبلغ حد الإلجاء) احتراز عن المحتظر وأهل الآخرة ، وهذا على القول بأن الإلجاء يجامع الوجوب ، وإلا فلا حاجة إلى القيد عند من قال (٣) : بأنه لا يجامعه
__________________
(١) الواجب في اللغة : هو الساقط يقال وجبت الشمس أي سقطت ، ومنه (وَجَبَتْ جُنُوبُها) وفي الاصطلاح : ما يستحق الثواب بفعله والعقاب بتركه ، أو ما استحق المدح على فعله والذم على تركه بوجه ما.
(٢) قال بعض المعتزلة : إذا أكمل الله عقل الإنسان بأن خلق فيه العلوم الضرورية التي تكتسب بها المعارف الإلهية وجب عليه أن يبقيه وقتا يتمكن فيه من معرفته ، وأن لا يخترمه قبل ذلك ، وإلا كان بمنزلة من وضع لغيره طعاما ثم أتلفه قبل أن يمكنه منه ، ثم اختلفوا ، فقال أبو علي : يجب أن يبقيه وقتا حتى يعرف الله تعالى أو يتمكن من معرفته ، ثم يجوز اخترامه بعد ذلك. وقال أبو هاشم : بل يجب أن يبقيه الله وقتا يعرف الله فيه واحدا حكيما ؛ لأن معرفته تعالى لطف ، وقال القاضي مثل قول أبي هاشم ، وقال : لا بد مع ذلك أن يبقيه الله وقتا يتمكن من فعل واجب أو ترك قبيح.
(٣) الصحيح أن الإلجاء لا يجامع التكليف ؛ لأن التكليف تعريض للثواب ، والملجأ غير معرّض للثواب ؛ لأنه لا ـ