فموضع العتاب الإلهي وموردقوله تعالى : (لَوْ لاٰ كِتٰابٌ مِنَ اللّٰهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمٰا أَخَذْتُمْ عَذٰابٌ عَظِيمٌ) (١) هو : أخذالأُسارى واستبقاؤهم وقت الحرب قبل الإثخان ;فالمؤاخذ على هذه الغنيمة هو بلحاظ أنّها أُخذت من غيرحلّها ، مع الالتفات إلى أنّ الأُسارى لم يؤخذوا كلّهم وقت الحرب بل فيهم القليل ممّن أُخذ بعدالحرب ، ك : العبّاس وعقيل ونوفل.
والعجيب أن تراهم مع كلّ ذلك يتمحّلون لاعتراض عمر ، والذي كان بعد الحرب ، ورأيه بقتل الأُسارى ، بأنّ النهي والعتاب في الآية طال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً; لأنّه لم ينهَ عن استبقاءالأسرى حين رآهم من العريش ، وفي المقابل فإنّ سعدبن معاذوعمربن الخطّاب وعبد الله بن رواحة كرهوا ذلك ، مع إنّ الروايات التي رووها عن عمر ـ في مازعم من فعله ـ تشيرإلى أنّه كان بعد الحرب ، فكيف يتّفق ذلك مع القول بأنّ موضع النهي في الفعل الذي حدث كان أثناء الحرب؟!
وتمحّلوا أنّ قتل الأسرى الّذين فودوا ببدركان أوْلى من فدائهم ، ويومئذ كان المسلمون قليلون فلمّا كثروا واشتدّ سلطانهم أنزل الله عزّ وجلّ بعدهذا في الأسارى : فَإِمّٰا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّٰا فِدٰاءً في سورة محمّد (ص) سورة القتال ، فزعموا أنّ الآية الثانية في الأسرى ناسخة للأُولى وقد تقدّم تمام المطابقة بين الآيتين ، كماهوحكم الأُسارى من التفصيل بين أخذهم أثناء الحرب أو بعدهافي مذهب الإمامية ، كما رووه عن الصادق (ع) كان أبي يقول : إن للحرب حُكمين : إذاكانت الحرب قائمة لم تضع أوزارها ولم يثخن أهلهافكلّ أسيرأخذ في تلك الحال فإنّ الإمام بالخيار إن شاءضرب عنقه وإن شاءقطع يده ورجله من خلاف بغيرحسم وتركه يتشحّط في دمه حتّى يموت;وهو قول الله عزّ وجلّ : (إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاٰفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيٰا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذٰابٌ عَظِيمٌ) في سورة المائدة الآية ٣٣ ...
والحكم الآخر إذاوضعت الحرب أوزارها وأثخن أهلها فكلّ أسير أُخذفي تلك الحال فكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار إن شاء منّ عليهم وإن شاء فاداهم أنفسهم
__________________
(١) سورة الأنفال ٦٨ : ٨.