ليس خارجا عن القدرة والإرادة والتمييز الحاصل للنفس الحيوانية ، والحواس الباطنية ، وذلك كما تتصوره القوة الخيالية من شكل الفرس عن شكل الحمار ونحوه. وما تتصوره القوة الوهمية للشاة من المعنى الذي يوجب نفرتها عن الذئب ونحوه ، أو التمييز الحاصل للنفس الناطقة الإنسانية بالقوة النظرية التي بها إدراك الأمور الكلية بالفكرة والروية ، وذلك كتصورنا معنى الإنسان ، من حيث هو إنسان ، وكحكمنا عليه بأنه حيوان ، ونحوه.
فإن أريد به القدرة أو الإرادة فذلك غير مباين لما أثبتموه أولا. وإن أريد التمييز والتصور الحاصل للنفس الحيوانية أو النفس الإنسانية. فذلك أيضا غير خارج عن قبيل العلوم ، كيف وأنه متعذر أن يراد به التمييز الحاصل بالحواس الباطنية ، فإن إدراكها لذلك لا يكون صادقا ، إلا بأن تنطبع أولا الصورة المحسوسة الخارجية في إحدى الحواس الظاهرة الخمسة ، ثم بتوسطها تنطبع في الحس المشترك ، وهي القوة المرتبة في مقدم التجويف الأول من الدماغ ، على نحو انطباع الصور في الأجرام الصقيلة المقابلة ، ثم بتوسطها في المصورة ثم في المفكرة ثم في الوهمية ثم في الحافظة. وبعض هذه القوى وإن لم يفتقر في الانطباع إلى حضور المادة ، كما في المصورة والمفكرة والوهمية والحافظة ، فهي بأسرها لا تنفك عن الانطباع عن علائق المادة ، وأن إدراكها لا يكون إلا بانطباع الأشكال ، والصور الجزئية القابلة للتجزؤ. وانطباع ما يقبل التجزؤ لا يكون إلا فيما هو قابل للتجزؤ ، والبارئ يستحيل أن يكون متجزئا. وأما إن أريد به غير هذا فهو تفسير له بما ليس بمعقول. وإن قيل إنه ليس من جنس كلام البشر فهو أيضا غير معقول ، وما ليس بمعقول كيف نسلم كونه كمالا للرب تعالى وأن عدمه نقصان.
وقولكم : إنه لو لم يكن له أمر ولا نهي لما تحقق معنى الطاعة لله ـ تعالى ـ ولما صحت الرسالة فليس كذلك ، بل صحة ذلك تستند إلى التسخير على وجه الطواعية ، والإذعان على وفق الإرادة والاختيار ، فإن تسخيره