للمخلوقات ، وإبداعه للكائنات بلا آلات ولا أدوات ، ولا أدوات ، وتقليب الخلائق بين أطوار المرغبات والمنفرات على وجه الطواعية ، حالة تنزل منزلة القول بالأمر والنهي. حتى لو عبر عن تلك الحالة بالقول كان ذلك أمرا ونهيا. وإليه الإشارة بقوله تعالى ، (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت : ١١] وليس ذلك عبارة إلا عن الانقياد والاستسخار ، إذ يتعذر أن يكون ذلك خطابا في حق السماء أو قولا لها. ولذلك قد يشتد صفاء بعض الناس بحيث يقرب اتصالها بالعقول الكروبية والنفوس الروحانية ، بحيث يطلع على الأشياء الغيبية من غير واسطة ولا تعلم ، يسمع من الأصوات ويرى من الصور ما لا يراه من ليس من أهل منزلته من البشر على ما يراه النائم في منامه ، فتكون حالته إذ ذاك نازلة منزلة ما لو أوحي إليه بأن الأمر الفلاني كذا وكذا. ولا مشاحة في الإطلاقات بعد انكشاف غور المعنى.
وأما المعتزلة : فإنهم لم يخالفوا في كون الباري تعالى متكلما ، وفى أن له كلاما ، ولكنهم قالوا : معنى كونه متكلما وأن له كلاما أنه فاعل للكلام ، وذلك صفة فعلية لا صفة نفسية. ثم كيف يكون متكلما ، بمعنى قيام الكلام به؟ ولو كان كذلك فالكلام لا محالة مشتمل على أمر ونهي ، وخبر واستخبار ونحوه ، وهو إما أن يكون قديما أو حادثا : فإن كان قديما أفضى إلى إثبات قديمين وهو ممتنع كما سلف ، ثم إنه يفضي إلى الكذب في الخبر من قوله : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) [نوح : ١] وقوله : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) [البقرة : ٥٤] وقوله : (كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ) [الصف : ١٤] ، ونحو ذلك ؛ من حيث إن الخبر قديم والمخبر عنه محدث. ويلزم منه أن يكون أمر ونهي وخبر واستخبار ولا مأمور ولا منهي ولا مستخبرا عنه ، وذلك كله ممتنع وإن كان حادثا لزم أن يكون الرب ـ تعالى ـ محلا للحوادث وهو محال.
وأيضا فإن الأمة من السلف والخلف مجمعة على كون القرآن معجزة