قابلها واستضاء بها ، فإنه وإن كان متعددا ، لا يوجب تعددها في نفسها وإن أوجب تعدد متعلقاتها ، على ما لا يخفى. وهذا هو الأقرب إلى الإنصاف ، والأبعد عن الاعتساف ، من جهة أن العقل قد دل على وجود أصل الإرادة فالقول بنفيها تقصير والقول بتكثرها إفراط. وكل خارج عن حوزة الاحتياط.
ولعمري إن من رام نفي التكثر من صفة الإرادة أو غيرها من الصفات بغير ما سلكناه لم يجد فيه كلاما محصلا.
فإن قيل : قولكم إن ما وقع به التعدد والاختلاف إن كان خارجا عن حقيقة صفة الإرادة فلزم إثبات صفات للذات خارجا عن أصل الإرادة. فإنما يستقيم أن لو لم يصح التغاير بين الذوات ، إلا باعتبار صفات وجودية وأمور حقيقية ، وما المانع من أن التغاير بين الذوات ، باعتبار سلوب ، وإضافات ، ومتعلقات خارجة عن الذوات؟ بأن يكون متعلق كل واحد غير متعلق الأخرى ، مما نسب إليها أو سلب عنها ، وتلك ليست أمورا وجودية ولا صفات حقيقة. وذلك على نحو ما يقوله الفيلسوف في وجوب تكثر الأنفس الإنسانية عند مقارنة الأبدان وبعد مفارقتها أيضا ، فإن السبب الموجب للتكثر ليس إلا ملابسة النفس البدن ، واختصاصها بالنظر إلى أحواله وتدبيره ، لا أن اختصاصها به اختصاص الصفات بالموصوفات ، وأن ما حصل لها من النسبة ، من حالة المقارنة ، هو الذي أوجب بقاءها متغايرة بعد المفارقة ، فعلى هذا غير بعيد أن يكون التغير بين الإرادات المتكثرة ، باعتبار النسب والإضافات وتغير المتعلقات.
قلنا : قد بينا أن الاختلاف يستدعي مميزا ، وما قيل من أنه يجوز أن يسند ذلك إلى السلوب والإضافات فمندفع ، وذلك أن السلب عن أحد المتكثرين إن وقعت بينهما المشاركة فيه ، بأن يكون مسلوبا عن كل واحد منهما ، كسلب الحجر عن الإنسان والفرس فذلك ما لا يوجب الاختلاف ،