التخصيص بالحدوث ، وتلك الصفة هي الإرادة. وأنها لا بد من قدمها وأزليتها ، وقيامها بذات واجب الوجود ، وتعلقها بجميع الكائنات. وهي ـ مع ذلك ـ متحدة لا كثرة فيها ، ومع اتحادها فلا نهاية لها ، لا بالنظر إلى ذاتها ، ولا بالنظر إلى متعلقاتها.
أما بيان كونها واحدة : فقد قال بعض الأصحاب. لو كانت متعددة لكان تعددها بتعدد متعلقاتها ، وما يصح أن تتعلق به الإرادة غير متناه تقديرا ، فلو تعددت بتعدده لكانت غير متناهية أعدادها تحقيقا ، وقد قام الدليل على استحالة ذلك وإن تعددت بسبب تعلقها ببعض المتعلقات التقديرية فذلك يستدعي مخصصا ، والقديم لا تخصص له بجائز دون جائز.
واعلم أن هذا غير صواب ، فإن ما ذكره من القسم الأول ، فمبني على القول بامتناع وجود أعداد لا نهاية لها ، وهي موجودة معا ، ولا ترتب لها وضعها ، ولا طبعا. وقد بينا وجه فساده فيما مضى. وما ذكره من القسم الثاني ، فهو مع ما فيه من التحكم ، كاذب في دعواه ـ بجهة العموم والشمول ـ استحالة تعلق القديم ببعض المتعلقات الجائزة دون البعض ؛ فإن الممكنات منها ما هو مراد عنده لا محالة ، مع هذا التخصيص.
فالرأي الحق أن يقال : لو كانت متعددة ومتكثرة ، لم تخل تلك المتكثرات إما أن تختلف من كل وجه ، أو تتحد من كل وجه ، أو تتحد من وجه وتختلف من آخر : فإن اتحدت من كل وجه فلا محالة أن الإرادة التي أردناها ليست إلا واحدا منها والباقي ليس إرادة. وإن اختلفت من كل وجه فليس التكثر فيها في صفة الإرادة ، لضرورة أن حقيقة الإرادة ليست إلا حقيقة واحدة. وإن اختلفت من وجه دون وجه فما به التكثر والاختلاف حينئذ لا بدّ أن يكون خارجا عن صفة الإرادة ، وإلا فهو القسم الأول بعينه. وعند ذلك فما اختص بكل واحد من المتكثرين ، إما أن يكون اختصاصه به لذاته ، أو باعتبار مخصص خارج : لا جائز أن يقال بالأول وإلا لما وقع