منه ، وشرط المعرف أن يكون أميز مما عرف به ، وإلا فإن كان أخفى منه أو مثله في الخفاء فلا معنى للتعريف به. ولما تخيل بعض الأصحاب عوص هذه الطريقة لم يستند في إثبات أحكام الصفات ، عند ظهور الإتقان في الكائنات ، وكذا في إثبات الصفات ، عند ثبوت أحكامها ، إلى غير الضرورة والبديهة. ولا يخفى ما فيه من التحكم وسمج الدعوى ، ومع ذلك فقد لا يسلم من المعارضة بنقيضه. وهو مما يضعف التمسك به جدا.
وقولهم : إنه لو لم يكن متصفا بهذه الصفات لكان متصفا بما قابلها ، وهو يتعالى ويتقدس عن أن يتصف بما يوجب في ذاته نقصا. فالكشف عن زيف هذا الكلام إنما يتحقق ببيان حقيقة المتقابلين ، وبيان أقسامها ؛ أما المتقابلان : فهما ما لا يجتمعان في شيء واحد من جهة واحدة. وهذا إما أن يكون في اللفظ أو في المعنى. فإن كان في المعنى فإما أن يكون بين وجود وعدم ، أو بين وجودين ؛ إذ الأعدام المحضة لا تقابل بينها. فإن كان القسم الأول [فهو] تقابل السلب والإيجاب وذلك كقولنا الإنسان فرس ، الإنسان ليس بفرس وهو مما يستحيل اجتماع طرفيه في الصدق أو الكذب.
وإن كان من القسم الثاني ، فإما أن لا يعقل كل واحد منهما إلا مع تعقل الآخر أو ليس : فإن كان الأول فيسمى تقابل المتضايفين ، وذلك كما في الأبوة والبنوة ونحوهما. ومن خواص هذا التقابل ارتباط كل واحد من الطرفين بالآخر في الفهم ، وإن كان الثاني فيسمى تقابل الضدين ، وذلك كالتقابل الواقع بين السواد والبياض ونحوه. ومن خواص هذا التقابل جواز انتقال طرفيه بالحركة إلى واسطة تكون بينهما. وأما إن كان من القسم الثالث فيسمى تقابل العدم والملكة ، والمراد بالملكة هاهنا كل قوة على شيء ما مستحقة لما قامت به إما لذاته أو لذاتي له. وذلك كما في قوة السمع والبصر ونحوه للحيوان ، والمراد بالعدم هو رفع هذه القوة على وجه لا تعود ، وسواء كان في وقت إمكان القوى عليه أو قبله ، وذلك كما في العمى والطرش