وجوبه مشروط بغيره فإن أراد به أنه واجب بالمعنى الأول فقد ناقض ، حيث جعله معللا ، إذ الواجب بنفسه ما لا يفتقر إلى غيره. وإن أراد به الاعتبار الثاني فلم يخرج عن كونه جائزا ؛ فإن كل ما وجوبه بغيره فهو جائز بنفسه ، على ما عرف فيما مضي. وإذا كان جائزا فتعليله ليس بممتنع. وما يمتنع تعليله ليس إلا ما كان واجبا بنفسه أو ممتنعا. وهذا وإن كان واجبا فليس وجوبه بنفسه فلا يتجه به النقض.
فإذا الصحيح أن يقال في الإبطال هاهنا ما قيل في إبطال الأحكام أولا. كيف والخصم له أن يسلم بثبوت هذه الأحكام للباري ـ تعالى ـ على وجه تكون النسبة بينها وبين أحكام ذواتنا ، على نحو النسبة الواقعة بين ذاته وذواتنا؟ وإذ ذاك ، فلا يلزم من تعليل أحد المختلفين أن يكون الآخر معللا ، وإن وقع الاشتراك بينهما في الإطلاقات والأسماء ولا يلزم عليه أن يقال : ما تذكره في العلة مع المعلول هو بعينه لازم لك في الشرط مع المشروط ، حيث إنك جعلت الباري حيا ، لضرورة كونه شرطا لكونه عالما وقادرا ومريدا ، كما في الشاهد ، فما هو اعتذارك في الشرط هو اعتذارنا في العلة. فإن للخصم ألا يسلم أن طريق إثبات كونه حيا إثبات الاشتراط ، بل غيره من الطرق. كيف والبنية المخصوصة عنده شرط في الشاهد ، ومع ذلك لا يلزم الاطراد في الغائب. فكيف يلتزم الاطراد في غيره؟ وما قيل من أن حد العالم في الشاهد من قام به العلم ، وكذا القادر من قامت به القدرة ، والحد لا يختلف شاهدا وغائبا ، فحاصله يرجع إلى محض الدعوى ، وقد لا يسلم عن منع أو معارضة ، وإذ ذاك فلا سبيل إلى دفعه إلا بأمور ظنية ، وقضايا تخمينية ، لا حاصل لها.
ثم إن من رام إثبات الصفات النفسية بطريق التوصل إليها من أحكامها فهي لا محالة عنده أعرف من الصفات ، وإلا لما أمكن التوصل بها إلى معرفها ، وإذا كانت الصفات أخفى فكيف يوجد في حد الشيء أو رسمه ما هو أخفى