أحد من معلوم إلى مجهول ؛ وذلك أن الأشياء ، إما كلية وإما شخصية ؛ على ما عرف بالقسمة الحاضرة ، والحد والبرهان ليس إلا للأمور الكلية دون الشخصية. وذلك لأن الحد والبرهان ليسا من الأمور الظنية التخمينية ، بل من اليقينية القطعية ، والأمر الشخصي ما له من الصفات ليست يقينية ، بل هي على التغير والتبدل على الدوام ، فلا يمكن أن يؤخذ منه ما هو في نفسه حقيقي يقيني ، وهذا بخلاف الأمور الكلية. فعلى هذا ما قد بان أن من أراد بإطلاق الحال على ما يقع به الاشتراك ، على النحو الذي أشرنا إليه ، كان محقا. لكن لا ينبغي أن يقال : إنها ليست موجودة ولا معدومة. بل الواجب أن يقال : إنها موجودة في الأذهان ، معدومة في الأعيان. وأما من أراد به غير ما ذكرناه كان زائغا كان عن نهج السداد حائدا عن مسلك الرشاد.
وأما الكلام على ما به يكون الافتراق فهو أن يقال : ما به وقع الافتراق بين السواد والبياض إما أن يكون في مجرد التسمية ، كما في قولنا سوادية وبياضية ، وإما في مدلولهما : لا سبيل إلى الأول ، كما ذهب إليه نفاة الأحوال ، فإنا لو قطعنا النظر عن التسمية ، كما أشرنا إليه في جانب الاشتراك لقد كنا ندرك الافتراق لا محالة. فليس هو إذا إلا في قضية عقلية معنوية.
وإن كان الافتراق بنفس مدلول لفظ السوادية والبياضية ، فأما أن يكون ذلك هو نفس الذات المتميزة أو حاصلا فيها أو خارجا عنها : فإن كان الأول ، فالتمايز بين الذوات ليس إلا لأنفسها لا لأمور زائدة عليها. وكذلك إن كان القسم الثاني أيضا. وأن القسم الثالث فكيف يصح القول بأن كل ما وقع به الافتراق بين ذاتين فهو زائد عليها خارج عنها؟ والعقل صحيح يقضي بأن الافتراق بين بعض الذوات قد يكون بأمور لا يتم تعقل تلك الذوات إلا بعد تعقلها أولا. وذلك كما وقع به الافتراق بين الإنسان والفرس ، والجوهر والعرض ، وغير ذلك من الأنواع والأجناس المختلفة ، وإذ ذاك فلا يكون ما وقع به الافتراق خارجا ولا حالا زائدا. كيف وأنه إما أن تكون تلك