السواد ، لم يمكنه أن يتعلقه ، ما لم يكن قد عقل اللونية أولا ، وما لا تتم الذات إلا به ، وهو مقوم لها ، كيف يكون زائدا عليها؟
ثم كيف يكون لا موجودا ولا معدوما ، وهو مقوم للموجود ، والموجود لا يتقوم إلا بموجود؟ ثم ولو قدر كونه زائدا فالذوات إما أن تكون متماثلة دونه ، أو متمايزة ، فإن كانت متماثلة فتماثلها إن لم يكن بأنفسنا فبزائد ، وذلك يفضي إلى التسلسل ، من جهة أن الكلام فيما وقع به التماثل ثانيا كما في الأول وهو ممتنع. وإن كانت متمايزة ، فذلك أيضا إما لأنفسها ، أو بخارج عنها ، وكلاهما يجر إلى إبطال الحال. أما الأول فظاهر ، وأما الثاني فمن جهة أن الذوات إما أن تكون متماثلة دونه أو متمايزة ، والكلام الأول بعينه عائد ، وهو محال. وإن أريد به اللونية العقلية المطلقة ، فتلك لا يتصور أن تكون صفة لما يتشخص من الذوات. ومعنى دخول جميع الشخصيات تحتها ليس إلا أن ما حصل في الذهن من معنى اللونية مطابق لما يحصل من معنى أي لون كان من أشخاص اللون ، من غير زيادة ولا نقصان. وعند هذا إن أريد باشتراك اللونية ، بين السواد والبياض ، هذا النحو من الاشتراك ، فلا إنكار بل هو الرأي الحق ، ولا مشاحة فيه.
وعند هذا فليس لقائل أن يقول ـ من نفاة الأحوال ـ : إن الاشتراك بين السواد والبياض ليس إلا في مجرد التسمية ؛ فإنا نحن ندرك الاشتراك في الجملة ، وإن قطعنا النظر عن التسميات والعبارات. ونشعر بالاشتراك ، وإن طاحت الاصطلاحات والإطلاقات ، فليس ذلك إلا بالنظر إلى قضية عقلية وصورة معنوية. كيف وأنا نعقل حقيقة الإنسان مطلقة ، ونعقلها شخصة؟ وليس تعقلها تعقلا كليا ، هو نفس تعقلها تعقلا شخصيا. ولهذا لو مات جميع أشخاص الإنسان الموجودة في الأعيان ، لم تبطل الحقيقة المطلقة الموجودة في الأذهان.
ثم لو قيل بذلك للزم منه إبطال القول بالحد والبرهان وأن لا يتوصل