وما قيل من أن آحاد المعجزات التي أشرنا إليها من انشقاق القمر ، وتسبيح الحصى ، ونحوه ، لم يثبت بطريق متواتر فبعيد ، فإنا نعلم ضرورة أن ما من عصر من الأعصار إلا وأصحاب الأخبار وأرباب الآثار وأهل السير والتواريخ قوم لا يتصور منهم التواطؤ على الكذب عادة ، وهم بأسرهم متفقون على نقل آحاد هذه الأعلام ، وكذا في كل عصر إلى الصدر الأول.
ثم ولو سلم ذلك في الآحاد فلا محالة أن عموم ورودها يوجب العلم بصدور المعجزات عنه ، وظهور الخوارق عنه جملة ، كما نعلم بالضرورة شجاعة عنتر وكرم حاتم ، لكثرة ما رواه النقلة عنهما من أحوال مختلفة تدل على كرم هذا وشجاعة هذا ، وإن كان نقل كل حالة منها نقل آحاد لا نقل تواتر ، وأما الرد على العنانية فيما تقولوه ، وإبطالهم فيما تخرصوه فهو : أنهم مع عجزهم عن صحة السند ، في متن الحديث مختلفون ، فإن منهم من قال : الحديث هو قوله إن أطعتموني لما أمرتكم به ونهيتكم عنه ثبت ملككم كما ثبتت السموات والأرض ، وليس في ذلك ما يدل على دوام الملك ، فليس ذلك ينافي النسخ ، ثم هو مشروط بطاعته ، والائتمار بمأموراته ، والانتهاء عن منهياته وذلك مما لا يتحقق في حقهم بعده ، ثم وإن قدر أن المنقول هو قوله : هذه الشريعة لازمة لكم خاتمة عليكم.
فلا مانع من أن يكون ذلك مشروطا بعدم ظهور نبي آخر ، ويكون هو المراد باللفظ ، ومع تصور هذا الاحتمال فلا يقين.
وأما استبعاد أن يكون الشيء الواحد حسنا قبيحا ، طاعة معصية ، مصلحة مفسدة ، مرادا غير مراد ، فقد أشرنا إلى إبطال مستند هذه الأصول ، ونبهنا على زيف جميع هذه الفصول ، من التحسين والتقبيح ، ورعاية الصلاح والأصلح ، ودلالة الأمر على الإرادة ، بما فيه مقنع وكفاية.
ثم إنه لا يبعد صدور الأمر من الله تعالى نحو المكلفين بفعل شيء مطلقا في وقت ويكون ذلك ممدودا ، في علم الله ، إلى حين ما علم أنه ينسخه عنده