وجوده أو عدمه باعتبار غيره ، كما حققناه في غير موضع من هذا الكتاب ثم إن هذه الاحتمالات ، إن كان الخصم كتابيا فهي أيضا لازمة له في إثبات نبوة من انتمى إليه ، والقول بتصحيح رسالة من اعتمد عليه ، وذلك كالنصارى واليهود وغيرهم من أهل الجحود ، فما هو اعتذاره عنها هو اعتذارنا عنها هاهنا.
ولا يلزم من كون القرآن مركبا من الحروف والأصوات أن لا يكون خارقا ولا معجزا ؛ لما بيناه ، من اشتماله على النظم البديع ، والكلام البليغ ، الذي عجزت عنه بلغاء العرب وفصحاؤهم ، وقدرة بعض الناس على الإتيان بما شابه منه كلمة أو كلمات لا توجب القدرة على ما وقع به الإعجاز ، وإلا كان لكل من أمكنه الإتيان بكلمة أو كلمتين من نظم أو نثر أن يكون شاعرا ، ناثرا ، وأن لا يقع الفرق بين الألكن ، والألسن ، ولا يخفى ما في ذلك من العبث والزلل ، فإنا نحس من أنفسنا العجز عن بعض ما نقل عن فصحاء العرب من نظم أو نثر ، وإن كنا لا نجد أنفسنا وقدرنا قاصرة عن الإتيان منه بكلمة أو كلمات ، بل وليس هذا إلا نظير ما لو قيل بوجوب كون الجبل مقدورا حمله بالنسبة إلينا ، لكون بعضه مقدورا ، إذ هو زيف وسفسطة. ثم ولو كان ذلك مقدورا لهم لقد بادروا إلى الإتيان به ، وسارعوا إلى دفع ما تحدى به على ما سلف.
لكن لا ننكر أن من مقدورات الله تعالى أن يظهر على يد غيره ما يعجز عن الإتيان بمثله ، وتكون نسبته إلى هذا المعجز كنسبة هذا المعجز إلى غيره من الكلام ، وأن ذلك لو ظهر المكان مبطلا لرسالته ، أن كان التحدي بأنه لا سبيل إلى الإتيان بمثله ، لا أن يكون التحدي بإظهار ما هو خارق للعادة على يده فقط ، أي لم يعهد في العادة قبل ذلك مثال كما سبق تحقيقه وكذا الكلام فيما هو دونه بالنسبة إليه أيضا.
وأما منع جواز دلالته على الصدق بناء على جواز تقدمه على الدعوى